الرئيسية أحداث فنية
أحداث اليوم - لا ينسى الجمهور الأردني ممثلهم الدرامي الأشهر ياسر المصري الذي حلت الذكرى الثالثة لوفاته يوم الاثنين الماضي، في 23 أغسطس/آب الحالي. لا يزال يُنظر إلى ياسر المصري على أنه "فارس الدراما الأردنية" وممثلها الأبرز، وهو الذي أعطى للدراما البدوية، التي تعد علامة فارقة في الفن الأردني، نكهة متجددة رافقت مشواره الفني، فقد أحدث ظهوره بطلاً لحكاية "نمر بن عدوان" عام 2007 انقلاباً في مسيرته الفنية، وفي شكل أداء الممثل، ليبقى ممثلاً أول في كل الأعمال التي شارك فيها، إلى أن رحل بعد أحد عشر عاماً من نجوميته، وهو يساعد أحد جيران شقيقه على تشغيل مركبته المتعطلة، في رابع أيام عيد الأضحى عام 2018، إذ انزلقت به السيارة على طريق منحدر، وتسبب ارتطامها بجدار بوفاته على الفور.
يقول الناقد الفني الأردني ماهر عريف، إن "موجة المواساة الشعبية العارمة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي من الجمهور وزملائه الفنانين الأردنيين والعرب ساعة الدفن والعزاء، كانت كفيلة بالإجابة عن سؤال المصري مرة: كيف يستطيع الفنان أن يقيس بصدق حب الجمهور؟ وأجد أنه وحده استطاع تحقيق ذلك بهذه الدرجة شبه الكاملة".
ويستذكر عريف آخر لقاء جمعه بالمصري، قائلاً إنه "في موقع تصوير أحد الأعمال البدوية الأخيرة، أخرج نصّاً من حقيبة كانت معه، وقال: هذا حلمي الحقيقي. كان مكتوباً على النص عنوان عمل غير واضح، شطبه بقلم يحمله في يده، وكتب مكانه: قلب الحُر. أوضح أنه مسلسل بدوي ملحمي من نوع مختلف، ولا يشبه إطلاقاً كل ما قُدِّم سابقاً".
يضيف عريف: "ظلّ حلمه المؤجل إنتاج مسلسل بدوي (من حيث انطلق)، وسعى إلى ذلك بتصوير حلقة تمهيدية مع المخرج محمد لطفي ومجموعة ممثلين، وتواصلَ مع قنوات، من دون اتفاقات نهائية، حتى إنه عاد وكرر الحديث عن الحلم نفسه، خلال آخر لقاء على شاشة التلفزيون الأردني، صبيحة يوم رحيله، ودعا إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون إلى تبنّي المشروع".
يتساءل عريف: "هل كان ياسر المصري يريد أن يُصبح حُرّاً، بعدما استهلكه قائمون على أعمال بدوية بصورة زائدة عن الحد ولم يشعر رغم كل هذا بوجود غطاء آمن للفن؟ فنجم الدراما البدوية الأول في جيله دخل القاهرة من أوسع أبوابها الفنية، وقال عنه الراحل وحيد حامد: المصري هو مصري وأردني وعربي. كان مثالاً في الفن والأخلاق والالتزام، ثقيلاً في قيمته، خفيفاً على القلب، ورحل في لمح البصر".
وياسر المصري حاصل على بكالوريوس علوم موسيقية من "الأكاديمية الأردنية للموسيقى"، تخصص رئيسي في آلة الكلارينت، فرعي بيانو، وهو عضو في نقابة الفنانين الأردنيين. عمل في بدايته الفنية مدرب رقصات فنون شعبية واستعراضية، قبل انخراطه في الحركة الفنية عام 1993، في أول عمل له، وهو مسرحية "كلاكيت"، ضمن مهرجان الشباب الثاني الأردني، وقدم مع فرقة "مسرح المسرح"، التي أسسها المخرج خالد الطريفي، عام 1994، مسرحية "يا سامعين الصوت"، وعمل مدرباً للفرقة الوطنية التابعة لوزارة الثقافة ممثلة الأردن في معظم المهرجانات العربية والدولية حتى نهاية عام 2007.
وتفجرت موهبة المصري عام 2007، بعد تقديمه دور الفارس والشاعر نمر بن عدوان، الذي أدى فيه دور أمير شعراء البادية العربية بإتقان وتألق، وكان أول دور بطولة مطلقة له. قدم مجموعة من الأعمال المسرحية والتلفزيونية، أشهرها مسلسل "نمر بن عدوان" الذي اشتهر فيه بأداء دور الفارس وأمير شعراء البادية العربية، و"امرؤ القيس"، بالإضافة إلى "راس غليص" الجزء الأول، و"عيون عليا"، و"العنود"، و"الطوفان"، و"الحجاج".
يقول الصحافي والكاتب طلعت شناعة عن المصري: "نستذكر فناناً كان ملء السمع والبصر، سبقته أخلاقه الحميدة في الوصول إلى الناس قبل فنه الذي ميزه عن مجايليه. كلنا نستذكر أعماله التي حفرت في وجدان الفن الأردني، ولم يكن غريباً أن يحقق حضوراً كبيراً في الدراما المصرية، عندما قدم مسلسي (الجماعة) في 2010 و(العهد: الكلام المباح) في 2015، وكان نداً للممثل المصري الكبير يحيى الفخراني في مسلسل "دهشة" (2014). المصري كان عنواناً بارزاً للفن الأردني، وسعى لإخراج الأعمال الدرامية البدوية، التي كان بطلها، من ثوب التقليدية إلى الابتكار والإبداع".
ويشير شناعة، في حديثه، إلى العمل البدوي الملحمي "مالك بن الريب" الذي قدمه المصري قبل رحيله بثلاث سنوات.
ويقول: "أعتقد أن المسلسل الذي قدمه المصري قبل رحيله كان مؤشراً على النضوج الفني الذي وصل إليه، إذ إن العمل مليء بالإسقاطات السياسية والإنسانية والاجتماعية، فابن الريب هو شاعر عربي عاش في حقبة تاريخية مهمة، حين كان يسرق أموال الأغنياء البخلاء ويقدمها للفقراء، وتعرض حينها لمطاردة مروان بن الحكم وزياد بن أبيه، قبل أن يشعر بقرب النهاية، ويتخلى عن حياة الصعلكة، مركزاً على علاقة الشاعر مع محيطه الاجتماعي. وأجد أن الأعمال التي قدمها المصري تالياً، على قلتها، تؤكد بعد النظر الذي كان يتمتع به".(العربي الجديد)