الرئيسية مقالات واراء
هم ملح البلاد، وهم عنوان عروبتها وجذرها في هذا الوطن العروبي، وهم الفاعلون والحاضرون في أزمنة الأمة والدولة، مع بداية القرن العشرين بلغت نسبتهم في الأردن إلى عدد السكان 12%، وفي عام 1956 كانت نحو 15%، وفي عام 2013 تقول الإحصائيات بأن النسبة 3%، وأن العدد بين 170-180 ألف، وقد صدر مؤخراً أكثر من مؤشر عن أعداد النصارى، وتراجع نسبتهم، وهو أمر متأثر بظروف المنطقة السياسية والاقتصادية وزيادة عدد سكان الأردن بشكل مضاعف بالإضافة لعامل الهجرة للغرب.
ليس السؤال في هنا عن العدد أو النِسَب، أو عن مجموعة بشرية متمايزة أو أقليّة، لها خصوصياتها، بل هو عن الوجود المسيحي وتحولاته والمصائر والأدوار التي قام بها المسيحيون في الأردن عبر تاريخه الحديث، وصولاً إلى الراهن. وهي لا تحصرهم بكينونة الطائفة، بقدر ما تفتح الباب على الدور والنفوذ والعلائق المشتركة مع غيرهم، فلربما تكون المشاركة السياسية للنصارى الأردنيين في الانتخابات المتكررة سواء نيابية أو بلدية، مجيبة على شكل تلك العلاقة وسبيلاً لأظهار مشاركتهم وفقاً لحماية القانون لحقهم التمثيلي بنظام الكوتا، لكن أحد أبرز حقائق الاقتراع الانتخابي أن كثير من مرشحي المسيحيين كانوا ينجحون بأصوات المسملين وهم مُفضلون عند المسلمين، ويحدث عادة أن يكون المسيحي ضمن كتلة مسملة، وتعدى ذلك أن شارك مرشحون مسيحيون في الانتخابات ضمن قائمة الإخوان الممسلمين ذات انتخابات.
ومع أنّ المشاركة السياسية والدور المسيحي في الأردن لا يقع ضمن التمييز، بقدر ما هو مستمد من كون المسيحيين يسعون لدولة المواطنة، والتي إن تعذرت، تكون المشاركة للحفاظ على حقوقهم وتثبيتها بصور عديدة، وفقاً لما هم منتمون إليه ومشاركون فيه بالمجتمع بصيغ عشائرية صرفة أو اقتصادية أو مدنية تحديثية، وذلك ضمن الأدوار التي تمنحها السلطة لمختلف شرائح المجتمع، وهنا يسجل لهم الدور الكبير لهم في الـتأسيس والمشاركة للحركة الوطنية وتكوين المعارضة السياسية عبر الاحزاب القومية واليسارية، والتي دفعت باسمترار نحو الديمقراطية، وانتقلت مؤخراً وبفعل عوامل عديدة لتبنى طرح الدولة المدنية، وهوم البارزون في تكوين ملاح الاقتصاد الوطني ومأسسته.
ولعلّ دورهم في الحركة الثقافية لا يقل أهمية عن أي دور آخر، فهم رواد وبناة فكر وأدب، منذ رائدهم روكس العزيزي، وأمين أبو الشعر الذي أسس أول الجرائد في الهجرة، وكذلك عودة القسوس في التشريع القضاء، وأديب عباسي في الأدب وحنا القسوس في الطب وصالح المعشر في الاقتصاذ. وفي النصف الثاني من القرن العشرين تحضر وجوه عديدة في الأدب والسياسة أمثال يعقوب زيادين وعيسى مدانات وغالب هلسا وفي الكتابة التاريخية وحفظ التراث مع رؤوف أبو جابر وسليمان الموسى ونايف القسوس وهند أبو الشهر، وفي الفن نجدهم كذلك في نماذج عدّة أمثال نبيل المشيني، وموسى حجازين وجوليت عواد وغيرهم كثر مما لا حصر لهم.
أما الدور الكبير والفاعل فكان في الاقتصاد، إذ مثلوا بداية تكوين البرجوازية الوطنية الأردنية، من خلال العائلات التي تملكت الشركات والامتيازات والأملاك الواسعة، وذلك في نماذج عائلات مثل الداود وقعوار والنبر والمعشر وقاقيش وغيرهم. وقد سمحت أوجه نشاطهم الاقتصادي المبكر في النصف الأول من القرن العشرين في قطاعات التموين والدباغة والتبغ والبنوك والـتأمين، في الانتقال إلى قطاعات جديدة لاحقاً في ضمن الاستثمار في خدمات المطاعم والنقل والزي والتكنولوجيا، ويمكن القول أن الاردن بعد النكبة الفلسطينية جاءت إليه عائلات مسيحية اسهمت في أداور وطنية واقتصادية كبيرة مثل عائلات نقل والصايغ والسلفيتي وسختيان وفراج وابو خضر ومسيح وغيرهم.