الرئيسية أحداث دولية
أحداث اليوم - كل دول العالم النووية وغيرها تتفق على أنه يجب نزع هذا النوع من الأسلحة وإزالتها من الوجود تماماً، أو على الأقل في مراحل أولى الحد من انتشارها والخضوع لاتفاقات ومعاهدات دولية وُضعت لهذا الهدف منذ أيقنت الحكومات والشعوب مدى الخطر الكبير والنهائي الذي تشكله على وجود البشر. فهل هناك أمل أن تختفي هذه الأسلحة بطريقة ما ويتوقف العالم عن تصنيعها؟
المعاهدات كوسيلة رادعة
هذا السؤال لا تكف الأمم المتحدة عن طرحه، ويعد تحقيق نزع السلاح النووي العالمي أحد أقدم أهداف تجمع الدول بالمنظمة الدولية. وكان موضوع القرار الأول للجمعية العامة عام 1946، إنشاء لجنة الطاقة الذرية (التي تم حلها عام 1952)، وتفويضها بالسيطرة والقضاء على الأسلحة النووية ونظيرتها القابلة للتحول إلى دمار شامل. وفي عام 1959، أقرت هدف نزعها بالكامل. وفي عام 1978، أعلنت الدورة الاستثنائية الأولى للجمعية العامة بأن نزعها ينبغي أن يكون هدفاً ذا أولوية حول العالم.
ومع ذلك، لا يزال هناك 13.080 ألف سلاح نووي في العالم، وهذا رقم كبير يناقض الجهود المبذولة للحد من تصنيع وانتشار هذه الأسلحة، والأنكى أن الدول التي تمتلكها لديها خطط لتحديث ترساناتها النووية وبتمويل كبير، بدلاً من أن تستهدف التخلص منها، رغم أن سكان هذه الدولة المسلحة نووياً يعادلون نصف عدد سكان العالم، وبذلك يشكلون خطراً على مواطنيهم ومواطني الدول التي لم تصبح نووية بعد.
ومنذ عام 2017 لم يدمر فعلياً حتى رأساً نووي واحد، وفقاً لأي اتفاق مبرم، سواء أكانت هذه الاتفاقات ثنائية أو متعددة الأطراف، كما أنه لا تُجرى أي مفاوضات متعلقة بنزع السلاح النووي، وسبب ذلك هو كون عقيدة الردع النووي ما زالت جزءاً أساسياً من السياسات الدولية والعسكرية والاستراتيجية للدول المتنافسة أو المتحاربة، أو التي في سباق تسلح لضمان مصالحها حول العالم. وما زالت الولايات المتحدة وروسيا، وإلى جانبهما الصين والاتحاد الأوروبي، على رأس الدول التي تقيم هذه المنافسة التي لا تقف عند حدود إلا في العودة إلى اتفاقيات لم تطبق سابقاً، أو عبر إيجاد صيغ لاتفاقات لوقف سباق التسلح سرعان ما تصبح داخل الأدراج. فالنوايا المعلنة عموماً لا تشبه ما يجري على أرض الواقع، ولهذا الأمر أسباب كثيرة على رأسها انعدام الثقة المتبادلة بين الدول الكبرى، أو تضارب المصالح الذي ينتج عنه مخالفات للاتفاقات، غالباً ما تكون في الخفاء لتنكشف بعد فوات الأوان، ما يعني العودة إلى اتفاقات ومعاهدات جديدة كثيراً ما يكون مصيرها كسابقاتها.
حظر السلاح النووي في حيز التنفيذ
تعرض الإطار الدولي للحد من التسلح الذي أسهم في إرساء نوع من الأمن الدولي منذ الحرب الباردة ، لضغوط كبيرة منذ 2 أغسطس (آب) 2019، حين أعلنت الولايات المتحدة الانسحاب من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى في ولاية الرئيس السابق دونالد ترمب، ولكن على الرغم من ذلك تم خلال العام الحالي تمديد المعاهدة المبرمة بين واشنطن وموسكو بشأن تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها (ستارت الجديدة) حتى فبراير (شباط) 2026. ويتيح هذا التمديد لأكبر ترسانتين نوويتين في العالم الفرصة للاتفاق على مزيد من التدابير للحد من التسلح.
ولكن دول العالم أو المجتمع الدولي لم يعد تكتفي بالمعاهدات والاتفاقات المكررة والمعادة مرة بعد أخرى من أجل "الحد" من التسلح، فقد بات الأمر يتطلب إزالة كاملة للأسلحة النووية، ولهذا تم اختيار يوم 26 سبتمبر (أيلول) من كل عام كتاريخ للتذكير بضرورة الإزالة الكاملة لها بوصفه أولوية للتصدي لأحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية، ولتحقيق السلام والأمن وجعل العالم خالياً منها.
وبرأي المدير العام للجنة الدولية للصليب الاحمر، روبير مارديني، فإن "انفجاري مدينتي هيروشيما وناغازاكي، أبداهما كما لو أنهما مُحيتا من الوجود بفعل قوة خارقة للطبيعة"، بحسب تعبير مارسيل جونو، أحد أطباء اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في شهادته التي كتبها في أعقاب زيارته لمدينة هيروشيما آنذاك. وخلص جونو إلى ضرورة حظر الأسلحة النووية تماماً، مثلما حظرت الغازات السامة بعد الحرب العالمية الأولى، وكتب في شهادته، "لا سبيل لإنقاذ العالم من الدمار إلا بصياغة سياسة عالمية موحدة".
يضيف مارديني، أن "نهار 22 يناير (كانون الثاني) 2021 كان يوماً فارقاً بالنسبة لنا، فهو اليوم الذي دخلت فيه معاهدة حظر الأسلحة النووية حيز النفاذ. وكان قد تم تبنيها من قبل 122 دولة في الولايات المتحدة عام 2017، ووقعت عليها حتى الآن 86 دولة، وصادقت عليها 51 أخرى من بينها".
وبرأيه، فإن "أقل ما يوصف به هذا اليوم هو أنه انتصار للإنسانية، فبعد أن مرت 75 عاماً على أبشع فظائع الحرب التي جلبها إسقاط قنبلتين نوويتين على سكان هيروشيما وناغازاكي، جاءت أحدث معاهدة عالمية متعددة الأطراف لتحظر الأسلحة النووية. ومعاهدة الحظر هي أول صك من صكوك القانون الدولي يرمي إلى تخفيف العواقب الإنسانية الكارثية لها، إذ تحمل الدول التي أجريت تفجيرات نووية على أراضيها مسؤولية تقديم الرعاية الطبية للضحايا المشمولين بولايتها".
ويوضح المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر، أن "ما لا تستطيعه المعاهدة هو القضاء على ترسانة العالم النووية الحالية بضربة سحرية. فمن قبيل السذاجة أن نتوقع منها إخلاء العالم من هذه الأسلحة في اليوم الذي يلي التوقيع، بل لا بد أن ننظر إلى المعاهدة الجديدة باعتبارها نقطة انطلاق أخلاقية وقانونية لجهود طويلة الأمد من أجل نزعها. وما من سبيل أمامنا الآن سوى العمل لتوسيع نطاق الالتزام بالمحظورات المنصوص عليها في المعاهدة قدر ما يمكن". ويختم، "ربما أفقدنا مرور الزمن حساسيتنا تجاه الدمار الذي تخلفه التفجيرات النووية، لكن لا بد أن يدرك كل إنسان يحيا على وجه الأرض الأهوال المرعبة التي ينطوي عليها استخدام هذه الأسلحة مجدداً".
أهمية المعاهدة الجديدة
مارك فينو، المسؤول عن ملف انتشار الأسلحة في مركز جنيف للسياسات، لديه وجهة نظر حول دخول معاهدة حظر الأسلحة النووية حيز التنفيذ في يناير 2021، ويعتقد، أن "الدول التي لديها أسلحة نووية وحلفاءها تؤكد أن معاهدة حظرها لن تفرض أي التزامات، ولا حتى بموجب القانون العرفي المحتمل، بالتالي هل يمكن اعتبار الأسلحة النووية غير مشروعة؟ ستكون كذلك دون شك بالنسبة للدول الأطراف في الاتفاقية. وفي حال انضمت لها الدول المتحالفة، ستؤثر بنود المعاهدة بشأن عدم نشرها أو نقلها بالتأكيد على الدول المالكة لها. والأرجح هو أنه لن يسمح للمصارف والشركات والجامعات والأفراد، في الدول الأطراف بالاتفاقية المساهمة في تطوير الأسلحة النووية. كما يمكن للمحاكم المحلية في الدول الأطراف قبول الشكاوى للحصول على تعويض عن الأضرار الناجمة عن التجارب النووية أو عن صناعة الأسلحة ومطالبة الدول المالكة لها بدفع تعويضات".