الرئيسية مقالات واراء
مظاهر الفشل الرسمي في إدارة الاقتصاد الوطني ليست مرتبطة بحكومة معينة، بل هو سياسة تراكمية أدت إلى ما نحن عليه من جمود في النمو الاقتصادي وعدم التحرك إيجابيا للأمام.
مظاهر الفشل الاقتصادي متعددة وظاهرة للعيان، لعل أبرزها الجمود في عمليات الإصلاح الإداري، وعدم اتخاذ القرارات الجريئة في ذلك الأمر لأسباب مختلفة غالبيتها لا يخرج من الإطار الشعبوي، فكما هناك حراك شعبوي للمواطنين، أيضاً الحكومة هي الأخرى تتصرف بشعبويات مماثلة في العديد من القضايا الإصلاحية وتحديداً الاقتصادية منها، وهذا ما يفسر تنامي النفقات العامة والعجز والمديونية والتي في غالبيتها تأتي استجابة حكومية لقوى ضاغطة من أجل تحقيق أغراض شعبوية لا أكثر.
الجمود الحاصل نحو المشاريع الاقتصادية فشل واضح من الحكومات التي لم تستطع منذ سنوات عديدة إخراج مشروع وطني استراتيجي إلى حيز التنفيذ يكون شاهداً على إنجازاتها، بالعكس بعض الحكومات كحكومة النسور على سبيل المثال لا الحصر حصلت على أموال ومنح مالية كبيرة كالمنحة الخليجية، وأنفقتها على مشاريع ضيقة لا تتجاوز في غالبيتها خلطات أسفلتية لطرق مزارع تعود لقوى نافذة في المجتمع، الأمر الذي أضاع فرصة توظيف هذه المساعدات نحو مشاريع استراتيجية كبيرة لها أثر في دعم واستقرار الاقتصاد الوطني.
الخطاب الرسمي الحكومي بالاعتماد على الذات وتنمية القدرات الذاتية المالية للدولة أشبه ما يكون “سرابا”، فالدولة في تزايد مستمر ومن عام لآخر نحو الاعتماد على المساعدات الخارجيّة وخاصة الأميركية منها (845 مليون دولار للموازنة ) التي باتت اليوم عنصرا رئيسا ليس في توفير المخصصات المالية للنفقات الجارية في الدولة، والأكثر من ذلك ان العلاقات مع المؤسسات الدوليّة وعلى رأسها الصندوق والبنك الدوليان باتت علاقة مفصلية مع باقي المانحين والمقرضين على حد سواء، فلا يمكن ان تكون العلاقات إيجابية، وتعطي دفعة مالية للحكومة وتوفير مساحة مالية جديدة من المانحين والمؤسسات الاقتراضية الدولية المختلفة دون ان يكون هناك توصية إيجابية من الصندوق والبنك الدوليين، فالترابط بينهما أصبح عميقاً.
حتى الخطاب الإعلامي الرسمي هو الآخر مثله مثل خطاب الشّارع “الممل” والذي لا تسمع منه سوى استياء وتذمر على الدوام، فالخطاب الاقتصادي الرسمي مع كل أسف بات هو الآخر يخلو من الإيجابيات، وكله تحديات، فلم يعد هناك ما تعطيه الحكومات إعلاميا نحو التفاؤل تجاه اي قطاع، لدرجة انك تشعر ان هناك صراعا خفيا يحدث فيما يتعلق بالتنمية الاقتصاديّة، وتشابك مستمر على شيء غير مفهوم، والنتيجة تعطل الإنجاز واتخاذ القرارات السليمة والجريئة في وقتها.
التراجع الكبير الحاصل في العملية الاستثماريّة على كل المستويات والمستمر منذ سنوات طويلة دون ان يكون هناك من في الحكومة يقرع جرس الإنذار، والفشل ليس في تعدد المرجعيات والازدواجية في العمل الاستثماري الرسمي بقدر ما هو فشل في منظومة العمل الاستثماري برمتها من هيئة وقانون وكادر إداري وتدخلات وازدواجيتها في الصلاحيات وتشابك بين المسؤولين واختراقات تحت مظلة الواسطات والمحسوبيات للحصول على اعفاءات وتسهيلات وغيرها من مظاهر التراجع الكبير التي حدثت في منظومة الاستثمار مع كل أسف.
غياب سيادة القانون أيضا من مظاهر الفشل الاقتصادي الرسمي، فكثير من المستثمرين يعانون منذ فترات زمنية طويلة من مظاهر تتنامى في المجتمع مخلة بسلوك الاردنيين وغريبة عليهم وهي الابتزاز والاعتداء المباشر وغير المباشر على المستثمرين ومنشآتهم في ظل مرأى ومسمع المسؤولين الذي يغضون الطرف عن ذلك أيضا لأسباب شعبوية.
المظاهر السابقة تحققت وباتت حقيقة على أرض الواقع مع كل أسف، ولا تستطيع أي حكومة ان تمضي في عملية الإصلاح الاقتصادي ومواجهة تحديات الوضع الراهن وإعادة تحفيز الاقتصاد دون معالجة حقيقية ملموسة للمظاهر السابقة التي تعصف ببيئة الاعمال المحلية وتشوه معطياتها وواقعها.