الرئيسية مقالات واراء
ثمة شبه إجماع على ضرورات الإصلاح الإداري، وتوافق أنه الطريق الحتمي للتعامل مع العديد من تحدياتنا الوطنية بما فيها الاقتصادية، وأن أداءنا الإداري بالعموم قد تراجع، ما خلق مساحة للتجاوزات والترهل وفسادا صغيرا يعانيه المواطنون. بيد أن النقاش برمته مجزوء، فلا هو يستند لمعلومات رقمية دقيقة، ولا ممارسات فضلى يسعى لتحقيقها، وينتشر بين ثناياه كثير من التعميم والتنظير غير القابل للتطبيق.
أولى خطوات إصلاحنا الإداري يجب أن تبدأ بعملية تقييم موضوعية لواقع الحال، وأعتقد أن التعميمات التي تطلق فيها كثير من الإجحاف والشعبوية، فلا يمكن قبول أننا على هذه الدرجة من السوء رغم وجود بعضه، والإنصاف يقول إن تراجع أدائنا الإداري لم يصل بنا للحضيض، فما يزال القطاع العام يقوم بأعماله الإدارية بدرجات متفاوتة، وما تزال لدينا كفاءات بيروقراطية متميزة قادرة على إنجاز الأعمال والإتيان بحلول للتحديات التي تواجه المؤسسات والوزارات، وما يزال الموظف العام الأردني من الأكفأ والأكثر إنتاجية على مستوى الإقليم، وإن كان بترتيب متدن عندما يأتي الأمر للمقارنة مع دول العالم المتقدم.
مسألة أخرى تحظى بكثير من التنظير والابتعاد عن الواقع، وهي حجم القطاع العام الذي يعد فعلا من أعلى النسب بالعالم، وهذه خطيئة كبيرة لا تتناسب مع حجم الأردن وموارده، فحجم القطاع العام الأردني يقترب من نظيراته بالدول النفطية الريعية، وليس بدولة أصبح عائد الضريبة فيها أكثر من 80 % من موازنتها، لذا وجب عليها الترشيد بالإنفاق وعدم التوسع بالتوظيف على نحو يستنزف موارد الدولة.
هذه معضلة بنيوية إدارية واقتصادية رتبت الكثير من التحديات وتبديد الموارد في دولة تعاني عجزا بالموازنة وارتفاعا بالدين الخارجي. وعلى وجاهة كل ذلك، إلا أنه ضرب من المستحيل التفكير بتقليص حجم القطاع العام في ظل معدلات بطالة مرتفعة جدا ناهزت 25 %. تقليص حجم القطاع العام سيوقف العجز بالموازنة، وربما يصبح لدينا فائض مالي، وسوف يرشق الجهاز الإداري ويزيد فعاليته، لكن فعل ذلك سوف يزيد البطالة لا محالة، وسيكون لذلك تداعيات سياسية ومجتمعية لا شك خطيرة.
لا يمكن التفكير بترشيق الجهاز الإداري العام قبل أن تنخفض معدلات البطالة، وقبل أن يزداد النمو ليتمكن القطاع الخاص من استيعاب القوى العاملة، لذلك فالأفضل والأكثر منطقية أن يكون لدينا خطة عشرية لتخفض بالتدرج حجم القطاع العام، وأثناء ذلك تجد القوى العاملة طريقها للقطاع الخاص فتستوي الأمور وتنتظم.
أخيرا، لا بد من مغادرة معادلة “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن”، لأن القطاع العام لا يجب أن يكون مكانا لمن لا يريدون العمل، ويبحثون فقط عن أمان وظيفي حتى لو كان قليل الدخل. هذه من أقوى المسلمات في مجتمعنا، التي لا بد أن نتعامل معها بسياسة عشرية عابرة للحكومات، تهدف لترشيق القطاع العام وتقليل أعداد المشتغلين فيه لتنتظم الأمور بحسب الممارسات العالمية الفضلى، وأن لا يبقى بالقطاع العام إلا من هم أهل لتقيد خدمة عامة يستفيد منها المواطنون.