الرئيسية مقالات واراء
منذ ما يزيد على العام وأسعار السلع في البورصات العالميّة بارتفاع غير مسبوق على الإطلاق رغم أن معدّلات الطلب العالميّ ضمن نطاقها الطبيعي إن لم تنخفض في بعض الأشهر عن مستوياتها.
أسباب الارتفاعات في الأسعار خاصة في السلع الأساسية والحبوب والمواد الأولوية يعود أولا لعمليات التخزين التي تقوم بها بعض الدول لهذه السلع وتحديدا الصين، إضافة إلى نقص الإنتاج في بعضها الآخر، وتراجع الإنتاج الزراعيّ من جانب آخر.
محليّاً، الارتفاعات العالميّة انعكست فوراً على الأسواق المحليّة التي لا تمتلك أي أدوات لمواجهة تسونامي الأسعار، فالمواد الغذائية الأساسية من أرز وسكر وزيوت وحبوب تراوحت الزيادة في أسعارها خلال عام ما بين (25 %-120 %)، والمواد الأولية للصناعات المختلفة تضاعفت أسعارها، والحديد والصلب والأخشاب تجاوز الارتفاع ثلاثة أضعاف.
الأكثر جنونا بالأسعار كان في قطاع الشحن الذي ارتفعت أسعاره بالنسبة لآسيا ما يقارب الـ13 ضعفاً، وأوروبا وأميركا ما بين 4-6 أضعاف في بعض الفترات، ولا يوجد ما يشير إلى تراجع في أسعار الشحن خلال الفترة المقبلة.
انعكاس ارتفاع الأسعار على المواطنين كان مباشراً، وتأثرت وستتأثر دخولهم سلباً من تلك الارتفاعات وتراجع القيمة الشرائية لتلك الدخول التي ستشتري كميات أقل مما كانت تشتريه في أوقات سابقة.
قدرة الحكومة على مواجهة ارتفاع الأسعار شبه محدودة إن لم تكن معدومة، فالخيارات لا يمكن أن تتناسب أبداً مع الوضع الاقتصاديّ للخزينة أو حتى مع تفاهمات الأردن مع صندوق النقد الدولي، ففي هذه الحالات تلجأ الدول لدعم السلع للحفاظ على مستويات سعرية مقبولة لدى المواطنين، وهذا أمر لا يمكن أن يحدث في الاقتصاد الوطنيّ الذي تخلص من غالبية أشكال الدعم لتلك السلع خلال السنوات الماضية بالاتفاق مع صندوق النقد الدوليّ، وبالتالي العودة إلى هذا الأمر مستحيلة للغاية ولا يمكن أن يعود خاصة في ظل وجود عجز مالي في الخزينة يزيد على ملياري دينار قبل المساعدات.
قد يقول قائل، فلتقم الحكومة بعمليات الاستيراد المباشر لتلك السلع خاصة الأساسية، وهذا خيار ممكن لكنه في الحالة الأردنيّة غير وارد أيضا لعدم القدرة الفنية على القيام بمثل هذا الأمر من قبل الحكومة ومؤسساتها، فهي في النهاية انسحبت من التدخل المباشر في الأسواق، ناهيك من أنها ستلجأ إلى كبار المستوردين لتأمينهم باحتياجات الأسواق، وفي هذه الحالة يجب أن توفر مخصصات ماليّة كبيرة لتلبية تلك الصفقات وهو أمر أيضا صعب ماليا على الحكومة.
رأي آخر يقول لماذا لا تلغي الحكومة الرسوم الجمركية والضريبيّة على تلك السلع وبالتالي تخفف من وطأة ارتفاع الأسعار على المستهلك، وهذا الأمر من الناحية النظرية صحيح، لكنه من الناحية العملية غير ممكن، لأن غالبية السلع الأساسية معفية من ضريبة المبيعات، ومعظم استيرادها معفي بموجب اتفاقيات التجارة الحرة باستثناء أسواق آسيا التي تدفع رسوما جمركية، وحتى هذه لو ألغيت فإنها تبقى محدودة الأثر على المستهلك.
إذاً ما هو الحل لحماية المواطن من تآكل دخله وتعزيز الاستقرار المعيشيّ جراء جنون الأسعار؟
لا يوجد حل أمام الحكومة لمواجهة تسونامي الأسعار في الأسواق المحليّة وتحقيق الاستقرار في القوة الشرائية للمستهلك سوى بزيادة الرواتب، وهذا الأمر أيضا يبدو مستحيلا في ظل الأوضاع الماليّة للخزينة، لكن هناك بديل آخر مشابه قد يكون أكثر واقعية في التطبيق وهو منح مبلغ مقتطع لمرة واحدة للشرائح الاجتماعية المستهدفة، واعتباره أمراً طارئا يستوجب التدخل الحكومي كما حدث في المجهود الصحي والرعاية الصحية التي تضاعفت ميزانيتها في العام الماضي بسبب تداعيات كورونا وهي مرشحة أيضا للارتفاع.
مبلغ مقطوع لمرة واحد لن يكون له أثر مالي مستمر على الخزينة، يدفع للعاملين من الطبقتين الوسطى والفقيرة لمساعدتها على مواجهة ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وبالتالي يقتطع المبلغ من عدة مخصصات في الموازنة، فالأمر اليوم يتعلق بالأمن الاجتماعي للمواطنين وتآكل دخولهم وتراجع قوتهم الشرائية، فهناك جزء من المخصصات التي تذهب في إنفاقها تحت الرعاية الاجتماعيّة بحاجة إلى إعادة النظر.