الرئيسية أحداث منوعة
أحداث اليوم -
بعد أربعة عقود ونصف من الزواج، اختارت الستينية حنان أحمد (اسم مستعار) أن تنهي زواجها الذي استمر لسنوات طويلة أخذ من سنين عمرها وشبابها وسعادتها حتى أحلامها كباقي النساء، وفق قولها.
لم يأت قرار انفصال حنان عن زوجها متأخرا، مجيبة من حولها لماذا الآن؟ فهي عاشت تلك السنوات من أجل أبنائها والآن قررت العيش من أجل ذاتها، لراحة بالها وسلام داخلي لطالما حلمت به.
تقول “لم أندم على السنوات التي مضت، فقد عشتها من أجل أبنائي وصبرت لأجلهم.. ولم أكن أفكر بذاتي أبدا”، رغم أن الليالي والسنوات لم تكن خفيفة الظل على حنان، إلا أنها كانت تهرب من اليأس إلى بسمة أطفالها ومن الحزن والغضب إلى حنية قلوبهم ومن الخوف إلى حضنهم بعد أن أصبحوا رجالا يعتمد عليهم.
قررت سامية محمد (اسم مستعار) أن تبعد عنها الخوف، فلم يعد بوسعها أن تتحمل أكثر، “كانت 35 عاما ثقالا فيها معاملة لم تخل من التعنيف بأشكاله والإهانة الدائمة”.. لذلك قررت الانفصال عن زوجها.
لم يكن زواج قاصرات ولم يكن زواجا تقليديا، إنما زواج بإكراه وهذا يكفي لأن تمضي سنوات طويلة تنتظر الفرج، كانت الحياة بالنسبة لها أشبه بسجن إجباري فرضته على نفسها رغما عنها، لكن كانت على يقين أنها ستنتصر في يوم ما. لم تكتف سامية بسفر زوجها للعمل في الخارج لتعتبره تحررا من تلك القيود انتظرته سنوات ليعود، ولم يكن لديها أي حلم سوى ورقة طلاق تتحرر بها من كل تلك السنوات العجاف.
خبير علم الاجتماع الأسري مفيد سرحان، يشير الى أنه من حق الزوج أو الزوجة أن يتخذ القرار المناسب وفي الوقت المناسب شريطة أن يكون نابعا من تفكير عميق ويراعي مصلحة الطرف الآخر والأبناء، فالحياة لا تقوم من أجل فرد مهما كان موقعه في العائلة.
ويضيف أن العلاقة الزوجية شراكة وتبادلية وأخذ وعطاء وتحتاج لصبر، مبينا أن الحياة الزوجية لا يمكن أن تخلو من المشاكل، وإنما تتأثر بالمحيط والضغوطات النفسية بين فترة وأخرى.
طبيعة الحياة البشرية تختلف من شخص إلى آخر ولا يمكن أن يكون هنالك شريكان بالتفكير والتوجه والشخصية ذاتها، وهو ما يجب أن يدركه الجميع، والمطلوب في التعامل إدارة التواصل والحوار الناجح وفهم شخصية كل طرف للآخر.
ويلفت، بدوره، إلى وجود الكثير من الفوارق بين الرجل والمرأة في جوانب متعددة تجعلهما مكملين لبعضهما بعضا وليس ندا لبعضهما بعضا، ما يؤدي إلى الخلاف والصراع.
ويضيف “العلاقة الزوجية بحاجة إلى صبر وتحمل من كلا الطرفين”، وليس الحياة من أجل الأبناء فقط، إنما بالمودة والرحمة والسكينة، وهذه هي المعاني العميقة التي ينبغي أن تستمر.
والأصل في التعامل بين الزوجين، وفق سرحان، أن يقوم على الحب والاحترام المتبادل وتقدير كل منهما للآخر، تحديدا في المراحل الأولى، لكن هذا لا يعني أن بعض الأزواج يستطيعون فهم بعضهم بعضا مع مرور الوقت، وقد يكون لخلل في أحدهما أو بسبب ظروف خارجية كالأسرة الممتدة أو البيئة التي تؤدي إلى التأثير على نفسيتهم.
إلى ذلك، يلفت سرحان إلى الدور الكبير للأبناء في توطيد العلاقات بين الأبوين وتوفير أجواء الراحة والسعادة لهما وعدم الانحياز لأحدهما مقابل الآخر والحرص على إخراجهما من الحياة الروتينية اليومية، وذلك من خلال استضافتهما في بيوتهم أو الخروج في نزهات خارجية ومحاولة فتح قنوات الحوار بينهما.
اختصاصي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة، يشير الى أنه من المفترض أن يغلف مؤسسة الزواج الحب والمودة، إلا أن غياب الانسجام العاطفي والنفسي يحدث حالة من الشرخ.
ويتسبب الشرخ والمشكلات التي تحدث بحالة من الصمت داخل الأسرة تتحمل تبعاته الزوجة بكل معطياته من أجل الأطفال واستقرارهم حتى يكبروا، وعندما يصبحون في سن الوعي ويتجاوزون السن الحرجة قد تلجأ الزوجة للانفصال.
ويتابع مطارنة “الأطفال بالنسبة للزوجة هم سبب صمتها على وجعها وتحمل جروحها ومشاكلها والقهر والكبت الذي تخفيه”، فتظهر المشكلات التي تراكمت على مدار سنوات الزواج، وبالتالي حالة من الغربة داخل البيت، ولكنها تمنح كل وقتها لأطفالها وتسخر نفسها لهم من أجل استقرارهم النفسي ومستقبلهم.
دائما ما تحاول الأم أن تقوم بالمسؤوليات المطلوبة كافة، بحسب مطارنة، فتغلب عاطفة الأمومة على ذاتها وراحتها وتتحمل ذلك الزوج والقهر والخوف من أجل أبنائها الصغار.
وينوه إلى أن هذا الشرخ الزواجي الذي لم يعالج خلال السنوات الأولى يضاعف من المشكلات النفسية فيما بعد، والكبت الشديد داخل الزوجة قد ينفجر مرة واحدة للمطالبة بالحرية.
ويلفت مطارنة إلى أن المرأة في لحظة ما تريد التحرر من الألم والقهر وتمارس حياتها الطبيعية كإنسانة لها وجود، فتجد فرصة الطلاق هي الحل الوحيد الذي لم تلجأ له بسبب أطفالها والآن باستطاعتها أن تتخذ هذا القرار فيمنحها الراحة والسعادة، وكأنها تقول لنفسها يكفي ولأبدأ من جديد، فالإنسان يعيش حياة واحدة.