الرئيسية تقارير
أحداث اليوم - ياسر شطناوي - ماتت الخياطة حمدة بعد ان كان لها من اسمها نصيب، فقد حمدت وشكرت على ما مرت به من ظلم، وتحملت وكظمت وسكتت وصبرت الى ان انفجرت شراينها قهرا ونزفت ظلما على واقع صامت امام جشع اسود كبير وحاجة مالية مزرية وبيئة فقيرة معدمة.
ماتت حمدة وفي قلبها الف غصة من علقم تجرعته وهي عاجزة امام صراخ واهانة وضغط، لم تستطع أن تستوعب ما يحدث حولها ولم تستطيع أن تدافع عن نفسها، لا بيدها ولا بلسانها، كانت مجبرة على أن ترضخ وتنفذ، مقهورة وممنوعة من الصراخ والتأوه بل ممنوع حتى من الضجر.
حمدة الام لثلاثة اولاد جلست خلف ماكنة الخياطة لتطعم اطفالها ولتؤمن قوت عيالها بعمل فيه كرامة الا انها ما وجدت من صاحب العمل الا الصراخ والاذية والتهديد، انفجرت شرايينها وهي جالسة خلف ماكنتها تاركة العالم الظالم طالبة العدل عند ربها العدل.
ماتت حمدة قهرا وكمدا، عندما فقدت كل ما في يدها، لا تعرف أين تمضي وصراخ الجشع يتدافع في آذانها لا تملك القوة لترد، ولا خيار لديها الا الصمت والتالم من داخلها، فماتت بصمت وخوف وحزن.
حمدة شهيدة القهر وشاهدة على إجرام وانعدام الضمير وخذلان القانون في انصاف العاملات، هي علامة فارقة واضاءة مهمة امام صانع القرار بان الكثيرات يعانين كما عانت حمدة ويتعرضن كل يوم لآلاف طعنات الموت ويكظمن ويصبرن ويسكتن.
مضت حمدة إلى بارئها تشكو ظلماً قاسياً، وتركتنا نعيش عجزنا، ونجتر مع كل فاجعة جديدة حجم ذلك الظلم، ونعيش هذا العار الكامل الذي تلبّس مجتمعنا.
ذهبت حمدة ومضت تشكو مظلمتها إلى الله الحق، تشكو من ظلم ومن تقاعس، وتركتنا نردّد: "نعوذ بك من غلبة الدين ومن قهر الرجال".