الرئيسية مقالات واراء
حدثان طغيا على المشهد السياسي الأسبوعين الماضيين، رافقهما مسيرتين احتجاجيتين تعبيرا عن مواقف تختلف مع القرارات الرسمية. الحدث الأول توقيع الأردن على إعلان نوايا لدراسة ما اصطلح عليه “الماء مقابل الكهرباء” مع إسرائيل، بتمويل وشراكة إماراتية، ودعم أميركي من المبعوث للمناخ جون كيري، والحدث الثاني التعديلات الدستورية الإضافية التي ارسلتها الحكومة لمجلس النواب لتسير بمراحلها الدستورية المتتابعة.
في كلتا الحالتين، كان واضحا عدم تفاعل منظومة التنسيق ومنظومة الاتصال الرسمية بشكل كاف، فلا التعديلات الدستورية الإضافية اخذت حقها من الشرح والتفسير والتهيئة للرأي العام مع انها مهمة جدا تهيء بالفعل لمرحلة الحكومات الحزبية، ولا إعلان النوايا حصل على تفسير كاف. النتيجة كانت أن الأهداف الإيجابية وراء هذه القرارات اختفت من المشهد، وصعد خطاب التندر والمناوءة، وغابت المعلومات الأساسية ما نحا بالنقاش لمساحات الشعبوية التي استعادت خطاب الثمانينيات واحيانا الخمسينيات، وبدل ان تكون هذه القرارات إنجازات كما أرادتها الحكومة أو على الأقل تحمل ما يكفي من الإيجابيات، بدت العملية غير ذلك، وتركت هذه القرارات بلا دفاع وعلى طريقة اذهب أنت وربك فقاتلا.
وعلى وجاهة التشخيص لغياب المعلومات والقوة الرسمية التي تدافع عن قرارات كبيرة كالتي شاهدناها في الأسبوعين الماضيين، إلا أن ما حدث كان تمرينا بالذخيرة السياسية الحية لما نحن مقبلون عليه من انفتاح سياسي قد يصل أن تشكل أحزاب المعارضة حكومات.
ما حدث يشير بوضوح إلى أن تياراتنا السياسية لم ترتق بعد لمستوى تشكيل الحكومات، وما زال يسيطر عليها الخطاب الشعبوي الذي يصلح لقيادات المسيرات والاحتجاجات لكنه ابدا لا يتوافق مع حرفة صناعة القرار العقلاني البرغماتي الضروري للدول للحفاظ على مصالحها. لكل مواطن الحق في رفض أو قبول أي سياسة حكومية، لكن الأحزاب الوازنة التي تسعى لتشكيل حكومة عليها واجب وطني ان تكون موضوعية عقلانية ترشد الخطاب، وفي حالة أزمة المياه في الأردن، فيجب أن تسعى أي حكومة لكي تجلب الماء من أي مصدر ممكن، ويجب أن تلام وتحاكم ان لم تفعل.
الأحزاب يجب ان تضع الأمور في نصابها الصحيح، ولا يقبل منها ما يردده غير المطلعين أن الأردن رهن مياهه وطاقته بيد إسرائيل. هذا غير صحيح بالمطلق، فالأردن يسعى دوما لتنويع مصادره من الطاقة، والغاز موجود في الأسواق العالمية نستطيع شراءه بأي لحظة، لذا فالقول أننا رهنا طاقتنا بيد إسرائيل غير صحيح. كذلك الحال بالنسبة للماء، فالاتفاق مع إسرائيل لا يعني بحال ألا نستمر بالعمل على حلول أخرى تنقذنا مائيا، بل إن الاتفاق بشكله الاعتمادي المتبادل متسق تماما مع رؤية الأردن بعد ان كان رفض عرض نتنياهو لانه لا يتضمن تبادلية الاعتماد.
أحزابنا مرة أخرى تثبت انها بعيدة عن قدرة قيادة حكومات مطلوب منها قرارات وليس شعبويات، ولهذا فربما هي معنية وبحاجة لمجلس الأمن الوطني حتى يأخذ عنها هكذا قرارات. الدول لا تقاد بالشعارات، فليهتف أي كان بما يريد ولكنه بالنهاية سيعود لبيته ويتوقع ان يجد الماء الذي يحتاجه، وسيلوم أي حكومة لا توفره.