الرئيسية مقالات واراء
ما يهدد نهوض الأردن المنشود هو أن تعمل في البلد اكثر من رؤية بأجندات متضاربة، ولعل هذا سر التعثر الذي انتهت إليه خلال العقدين الفائتين مشاريع تحديث الاقتصاد والإدارة وبيئة العمل .
هذا الاستخلاص جال في ذهني وأنا افكر في البرنامج التنفيذي المفترض لمشروع التحديث السياسي الراهن. فالأخطر من التخلي عن المشروع هو اعتماده رسميا دون إجماع حقيقي عليه وعلى الأهداف المتوخاة أو لنقل التفاهم الصريح على ما نريد للأردن أن يكون عليه بعد عشر سنوات.
ما نريد للأردن أن يكون عليه خلال عشر سنوات قد لا يكون الشيء نفسه في ذهن كل دوائر النفوذ والقرار .. فتركب مخرجات اللجنة الملكية على عربة مزينة بكل المظاهر الاحتفالية ومزنّرة بالشعارات الضرورية لكن العجلات المخفية تحتها ليست منضبطة الى قيادة ووجهة واحدة بل تتحرك بإتجاهات مختلفة وفقا لرؤية وغايات متضاربة فتكون المحصلة ارتباكا وخلخلة وتعثر. أي أن نكرر للعقد القادم ما حصدناه خلال عقدين من مشاريع التحديث الاقتصادي والاداري. وسيكون من الأفضل الف مرة أن نمشي ببرنامج متفق عليه بالقول والفعل قد يكون أقل طموحا لكن يقبل به ويطمئن له الجميع من السير ببرنامج متفق عليه شكلا ومختلف عليه مضمونا.
يقدم مختصون ملاحظات تطال العديد من القرارات في مراحل ومجالات مختلفة لتفسير التعثر وتراجع الادارة والأداء في مختلف القطاعات ويتحسر كبار رجال الدولة على الزمن الجميل للإدارة الأردنية وللكفاءة التي علمت وقادت التطوير في بلدان شقيقة سبقتنا اليوم بأشواط طويلة لكن من منظور كلي أغامر بوضع التشخيص الأساسي التالي : أن أجندتين متضاربتين عملتا بالتزامن والتنافر طوال الوقت تحت مظلة مشاريع التحديث الاقتصادي والاداري ونقصد أجندة الليبرالية الجديدة وأجندة البيروقراطية المحافظة. وفي ظل هذا التازع التحتي أنجزت مشاريع الخصخصة المليئة بالفساد وترشيق البيروقراطية الحكومية وتحجيم الدولة بإستحداث عشرات المؤسسات المستقلة التي أثقلت كاهل الدولة والموازنة ولم تتقدم بالأداء قيد أنملة وبالمحصلة قدمت كل أجندة أسوأ ما فيها في ظل التنازع على الكعكة بدل الرقابة المتبادلة والتفاهم الحقيقي على قاسم مشترك يخدم الوطن والمواطن وليس مصالح فئوية وشخصية.
مشروع التحديث السياسي عبر تحزيب العمل السياسي والبرلماني أراده جلالة الملك بوصفه مدخلا لتحقيق الإصلاح السياسي وصولا الى مبدأ الحكومات البرلمانية المنتخبة، لكن تحت الاجماع على هذه العناوين يوجد خلاف حول معناها الفعلي على الأرض وفي الممارسة وهنا تبرز حسابات وتحسبات وفرضيات وإفتراضات متضاربة متصادمة متعادية ستحكم السلوك الفعلي وتفضي الى تعثر محبط للبلاد والعباد أي نفس قصة العمل بأجندات متضاربة لمشروع الإقتصادي والإداري.
من اجل ذلك يتوجب رعاية عملية تفاهم صحية وصحيحة ودقيقة لما نريد بالضبط الوصول اليه بعملية التحديث بوضع مختلف الإعتبارات على الطاولة لصياغة خطة تنفيذية تعمل عليها وبها كل الجهات والمؤسسات بالتضافر والتكامل من أجل رحلة موفقة وهبوط ناجح حيث يجب ان نكون.