الرئيسية مقالات واراء
أكاد أجزم أن الأردنيين جميعهم، شعروا بالحزن والإشفاق على هذا الوطن، وهم يتابعون “فعاليات” جلسة النواب أمس. تلك الفعاليات التي أصبحت خبرا عاجلا حول العالم، بينما أبطاله لم يراعوا في بلدهم إلا ولا ذمة!
كان المشهد بدائيا، ونحن نتابع الشتائم والعراك بالأيدي بين مشرعي الأردن الذين ألقيت على عاتقهم مناقشة مخرجات التحديث السياسي، والتي قيل فيها إنها تنقل البلد من مستوى إلى مستوى سياسي جديد شعرت الغالبية معه بأنها تستحقه.
لقد كان المشهد في مجلس النواب آخر ما يحتاجه الأردن، الذي أعدناه سنوات كثيرة إلى الخلف بسبب ترهلنا وسوء إدارتنا وعدم إدراكنا ماهية المستقبل القادم، وتمسكنا بـ”الأنا”، وسيطرة ردود الأفعال على سلوكنا وتفاعلنا مع الأحداث، إلى جانب ضعف ثقافتنا التشريعية والسياسية والاقتصادية، وهو ما يتبدى جليا في كل مفاصل حياتنا العامة.
على مدار أسابيع طويلة، حرصنا كإعلام على التزام الحد المعقول من النقد لاعتبار واحد، وهو أن البلد يقع تحت وطأة أوضاع اقتصادية وصحية واجتماعية غير مسبوقة، إلى جانب التحديات الخارجية التي يدور الأردن في رحاها، رغم إدراكنا خطورة الأخطاء العديدة التي يرتكبها مسؤولون في مواقعهم.
لكن ما حدث أمس يندرج تحت قائمة ما لا ينبغي السكوت عنه، فالسكوت هنا جريمة وخيانة عظمى بحق الأردن، وشعبه الذي ما يزال يتحمل الألم رغما عنه، وبدافع الحب والانتماء والولاء.
أشهر عديدة وعجلة التحديث السياسي تدور من أجل إحداث نقلة تجاه قانوني الأحزاب والانتخاب، وانتظرنا من مجلس النواب أن يضع لمساته عليهما ليزيد من نضجهما، والحال كذلك بالنسبة للتعديلات الدستورية، باعتبارها متطلبا مهما لدخول المئوية الثانية بفكر سياسي مختلف.
لكن، وعلى أرض الواقع، بدا كما لو أن كل هذا لا أهمية له في مجلس كان كل همه بالأمس إظهار الذات على حساب المصلحة العامة، ليصل الأمر إلى ممارسة العنف الجسدي تحت قبة البرلمان، فظهر كما لو أننا نتابع “طوشة زعران” في إحدى الحارات!
أمس تبدى النواب عابثين في أصول الحوار والنقاش والرأي وتقبل الرأي الآخر، وبعيدين تماما عن هموم الشعب الذي يريد أن يشعر بأن لديه من يمثله حقا.
إنها صورة لا تؤثر على النواب وحدهم، بل تتعداه إلى الشعب الذي قدم نفسه دائما، وفي جميع الساحات، بصورة الشعب المتحضر المثقف الواعي والمتماسك!
النواب يتم انتخابهم ليس للاستعراض، بل من أجل فرض رقابة حقيقية على أداء الحكومة، ومن أجل تشريعات تخدم الناس والبلد، لا من أجل شعبويات تهبط بصورة البلد بأكمله، وتسلم الشعب للقنوط.
عليكم إدراك أن انتخابكم، الذي جاء للأسف بطريقة غير ديمقراطية وكإفراز لقانون انتخاب متخلف، هدفه خوض المعارك التشريعية من أجل 10 ملايين أردني مارست الحكومات المتعاقبة بحقهم كل صنوف الجباية وسرقة أرزاقهم، ولم تقدم لهم ما يطمئنهم على مستقبل أبنائهم.
اليوم، يجتهد الإعلام والسياسيون والناشطون، من أجل حض الشباب على خوض غمار العمل السياسي، وألا ينخرطوا في الهم العام.
لكن حدثا كهذا لا شك أنه يشكل نكسة لجهود الإقناع تلك، فها هم المنخرطون في الهم العام يمارسون البلطجة بحق زملائهم، ويحلون خلافاتهم بالأيدي بدلا من الحوار، وبالشتائم بدلا من الكلام الطيب، وتحضر لديهم جميع الأجندات على اختلاف أشكالها ما عدا أجندة الوطن الذي يظهر اليوم وكأنه مما قيل فيه “الكرام على مائدة اللئام”!
لك الله يا أردن!