الرئيسية مقالات واراء
تمر التعديلات الدستورية عبر مراحلها في السلطتين التنفيذية والتشريعية، ويبقى بعد ذلك مصادقة جلالة الملك عليها، ومن ثم النشر في الجريدة الرسمية.. العملية برمتها لم تكن سهلة، خضعت لنقاشات وجدل وطني محتدم. هذا ليس بالضرورة بالشيء السيئ، فهو حال الديمقراطيات، بما فيها تلك التي تحاول المضي قدما على طريق تعزيز وتقوية مؤشرات الديمقراطية، كحالنا نحن في الأردن.
المؤسف كان استغلال البعض هذه الأجواء السياسية التاريخية، لكي يضخ سمومه وسلبيته وسوداويته، بين من حاولوا التشكيك بهويتنا، التي هي حكما ومنطقا وضرورة لا بد أن تكون جامعة، الى أولئك الذين استغلوا إضافة كلمة “أردنيات” الى عنوان في أحد فصول الدستور ليبثوا نظرية المؤامرة حول النية في التجنيس أو النيل من أحكام الشريعة في الإرث والقوامة وغيرها، الى آخرين رأوا في مجلس الأمن القومي إخلالا بتركيبة وبناء النظام السياسي الأردني، وهذا أبعد ما يكون عن الصواب، فهو مجلس يهيئ ويعد ضرورة لمرحلة الحكومات الحزبية، التي ستكون بها الأحزاب عرضة لضغوط شعبية انتخابية، ستضطر معها للابتعاد عن القرار القويم الذي قد لا يلقى قبولا شعبويا، ولكنه يبقى ضرورة لمصلحة البلد.
بالرغم من بعض هذه الشعبويات، فإن الرأي الراجح العاقل هو الذي تسيد في النهاية، وقد كان لإضافة قانون الأحوال الشخصية وقانون الجنسية الى حزمة القوانين التي تحتاج ثلثي أعضاء المجلس للتعديل، أثر مهم في نزع فتيل أي هواجس طغت على عقل البعض. وأعتقد جازما أنه عندما يحين موعد التأريخ لهذه المرحلة، من قبل مؤرخين علميين موضوعين، ستذكر التعديلات الدستورية على أنها خطوة سياسية تقدمية، شجاعة وديمقراطية، تستحق بحق أن تكون أحد أهم عناوين مئويتنا الثانية، التي يجب أن نخوضها بروح الآباء المؤسسين والرعيل الأول الذين نالهم هم أيضا ما نالهم من التشكيك وهم يشيدون مداميك البلد. أتوقع للتاريخ أن يشهد بإيجابية لهذه التعديلات كمشارك في عملية صياغة وإقرار التعديلات الدستورية، وأيضا كمختص بالأنظمة المقارنة بحث في العشرات من الأنظمة السياسية الديمقراطية وغير الديمقراطية، وتعمق في فهم عمليات تحول الدول للديمقراطية.
المرحلة المقبلة مرحلة قانوني الانتخاب والأحزاب، وعلينا أن نتعلم من دروسنا السابقة مع التعديلات الدستورية، ولا بد من خطة واشتباك من اليوم الأول مع تفاصيل هذه القوانين كافة نخاطب فيها الجمهور المهتم بها. وهنا، فلا بد من إعلاء قيمة الاتصال وليس الإعلام فقط، فوجود خطة إعلامية بعناصرها كافة من رسائل وأدوات وجمهور ضرورة مهمة، وأعلم أن هذا ما تم ويتم إعداده الآن، ولكن الأهم، أن يكون هناك خطة اتصالية مع الجهات التي يتم تحديدها كمهتمين أو رافضن للقوانين المقبلة. لن يتم بطبيعة الحال إقناع الجميع، فهذا ضرب من الخيال في عالم السياسة والإعلام، ولكن الاشتباك على الأقل سوف يقلل من حدة المعارضة، ويكسب تأييد المحايدين، والقيمة الأسمى للاشتباك، أنه سيوف يذهب بالنقاش لمساحات إيجابية موضوعية بعيدا عن نظريات المؤامرة التي تعشعش في عقول العديدين.