الرئيسية مقالات واراء
تفاعل مكثف للعمل الحزبي على الساحة الوطنية. أحزاب تتشكل وأخرى تندمج، والقائمة حاليا تسابق الزمن لتصويب أوضاعها، في ضوء شروط تأسيس الأحزاب التي نص عليها مشروع القانون الجديد، والذي يتوقع نقاشه تحت القبة في المرحلة القادمة. ثمة إدراك متنام لدى النخبة والمجتمع أن المستقبل للعمل للحزبي، وهناك مؤشرات مستمرة في خطاب الدولة باتجاه التأكيد أن قواعد العمل السياسي الجديدة في البلد هي الأحزاب البرامجية المتنافسة.
الصورة الوطنية للأحزاب الآن هي كما يلي: اليمين فيه حزبان يعكفان الآن على الاندماج، هما حزب الوسط الإسلامي وزمزم، والطريقة المؤسسية التي يتم بها ذلك تستوقف أي متابع، تشير إلى أننا سنكون أمام حزب بحلة وشكل جديد، يكون بموقع يمين الوسط أيديولوجيا. وهناك بطبيعة الحال حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي يتوقع أن يستمر كما هو ممثلا حيزا كبيرا من اليمين، والأغلب أنه سيمتلك حصة مقدرة من مقاعد مجلس النواب القادم لم يتضح مقدارها بعد. إذا، سيكون لدينا حزبان رئيسان يمثلان اليمين، وعلى يمينهم حزب آخر لم تتضح حظوظه بعد.
أما على صعيد اليسار، فالصورة أقل انتظاما، إذ يتكون الآن حزب بمفهوم جديد أقرب لليسار الحديث أو الليبرالي، وآخر بدأ على شكل منتدى يتوقع أيضا أن يتشكل لاحقا عندما تتضح بشكل أكبر صورة العمل الحزبي. اليسار بمعناه التقليدي يتوقع ألا يستمر، باستثناء حزب واحد تبدو حظوظه جيدة. اليسار بجله يعاني من معضلته التاريخية من حدية التضاد وصعوبات الاندماج، ولذلك فسيكون سياسيا لونا حاضرا في البرلمان لكنه ضعيف، على أن أهم ما يميزه في هذه المرحلة، أنه في معظمه يقترب من الوسط، يحاكي البرامجية في الطرح أكثر من التحجر الأيديولوجي التاريخي، وتدرك قياداته أن التآلف مع الوسط أنفع سياسيا وانتخابيا لهم، وأن لا بديل آخر لديهم.
الوسط السياسي بالمقابل، هو تاريخيا الأقوى، والأكثر حضورا برلمانيا، وما يحاكي الغالبية الساحقة من المجتمع. الوسط يتفاعل بصورة ملفتة أيضا، فهناك محاولة واحدة للآن، ولكنها قوية، لتأسيس حزب وسطي، وهناك بالتزامن، محاولة لدمج ما لا يقل عن سبعة أحزاب وسطية قائمة. الوسط يقوم على برامجية الطرح ووسطية الأيديولوجيا، متمركز في وسط الخريطة السياسية أيديولوجيا، ما بين اليمين واليسار بتنوعاتهما.
المشهد أعلاه يشير إلى أننا سنكون أمام حزبين كبيرين للوسط، ثلاثة لليسار، وثلاثة لليمين. لكن التواجد في البرلمان على الأرجح ستكون الغلبة فيه لأحزاب الوسط، يتبعها أحزاب اليمين، وبتواجد يساري نوعي ولكنه محدود العدد.
بناء على هذه الصورة الآخذة بالتشكل، يتوقع أن يكون هناك محاولات للتقارب والتآلف، ولكن هذه المرة ليس على أسس أيديولوجية، بل بناء على قاعدة البرامجية من عدمه، وعليه فالتوقعات تشير إلى إمكانية تآلف تيار الوسط مع يسار الوسط على أسس برامجية، ليقابل تيار اليمين الذي سيمثله حزبان رئيسان. ثمة محاولات جادة في هذا الاتجاه، تستند لطرح فكري برامجي معقول، وفي حال نجح ذلك، فسيكون الأردن أقرب لمشهد الثنائية الحزبية، وليس الثلاثية أو التعددية الحزبية. أحزابنا تقترب بالفعل لتكون تيارات أكثر منها أحزابا عقائدية مغلقة، وهذا جيد يشجع البرامجية ويقويها.