الرئيسية مقالات واراء
حتى نلتقي - سرد
ما الذي يؤدي إلى موت الشعوب؟ كيف استطاعت بعضها الاستمرار في الحياة كمجموعة؟ وكيف اندثرت أخرى؟
هذه ليس اسئلة ليست للمختصين ولكنها لكل فرد فينا، علماء الانتروبولوجيا قد يجدون عشرات الأجوبة سوى أن أحدها ملفت للانتباه، قضية السرد، من يسرد رواية نفسه لنفسه يستطيع أن يسردها لغيره وعندما تكون محكمة الحقائق ولو أضيف إليها هالة البطولة لا بأس بذلك، ومن يسرد الرواية عليه أن يدرك أنها ستحيا في ذاكرة الافراد والشعوب لتبقى يتوارثها الأجيال.
الشعوب والمجموعات التي اختفت غالبًا ما كانت روايتها للأحداث ضعيفة أو بلسان المعتذر، في حين أن الاعتذار من علامات قوة المسيطر ومن علامات ضعف المهزوم، فعليك أن تختار عما تعتذر ومتى، فاعتذارك الذي في غير محله سيسجله التاريخ.
إذا ما هو السرد الذي سنهديه للأجيال القادمة؟ هل سنصنع فيهم عزةً أم استكانه؟ هل سنخبرهم عن بطولات أم هزائم؟ هل سنزرع الخوف أم الأمل؟
في الأفق لا نرى أبدًا بوادر تشير إلى قدرتنا على تغيير الخارطة من المحيط للخليج، فهناك عشعش الدولار والفقر والظلم وأصبح أكبر أماني الناس ليس حرية بل سقفًا وكسرة خبز. يبقى شيء واحد الحفاظ على الواقع وسرد الرواية للجيل القادم حتى نترك له الأمل.
علينا أن نعي هذا جيدًا، لأن التاريخ سيكتبه غيرنا ويقرأه غيرنا، نعم ولا يهم ماذا سيقولون عنا ما يهم هو هل استطعنا أن نترك لهم إرثًا سرديًا يحملهم نحو الغد، أم بكاء على الأطلال، وأعني بذلك كان وكان، الأرث الحقيقي هو القدرة على الاستمرار.
أنا شخصيًا أتعجب كيف نقع كلنا في مسميات عجيبة، لقد أعجبنا بكذبة سايكس بيكو ومن فرط حبنا لها أصبحت واقع، فهذا مصري وهذا اردني، وهذا فلسطيني، وهذا عراقي، ويلٌ لأمة لا تدرك أنها واحدة، فإذا اجتمع الظلم مع سايكس بيكو فابشر بتأخير الأمل، وإذا كان هذا حال المحيط إلى الخليج فكيف هو حالنا في النقب والمثلث والجليل، لا يهمني إذا كان هناك من ينادي بالقبلية والجغرافية، ما يهمني حجم هذه المأساة، للأسف الشديد كما تعلمنا وهم سايكس بيكو، نتعلم بدون مقدمات قبلية القرن الواحد والعشرين في النقب والمثلث والجليل، تحديات مبنية على مصالح ضيقة.
تعبنا من ترديد جمل الوحدة التي تدعو إلى الفرقة، تعبنا من سرد رواية الوطن الذي يأتي فقط من الفكر المستورد، وكأن الانتلكتواليم فقط هم اصحاب الحق، وخصوصًا إذا استعملوا كلمات غير معربة، شوفينية، نرجسية، طبيقية، بروليتاريا، نيبوتزيم، كلمات ممسوخة لا تغني للفلاح في حقله سوى خوفه أم تصادر أرضه، نريد من يتكلم العربية من منبعها من أهلها ودون كلمات مهجنة، فما وصلنًا من إرث وسرد أقوى من عاصفة الكلمات الممسوخة.
تأكدوا أن يومًا سيأتي وربما نكون نقطة في سرد، أو جملة على أكثر الأحوال، فلتكن نقطة مضيئة.
أنا لا أقدس أحدًا ولكن التقديس الحديث نراه في كل زاوية، قد نختلف ولكننا نرجو أن نرتقي لا أن نغوص في مستنقع الكذب والدجل، لم نتعلم من غيرنا لأننا قررنا أن الرواية الوحيدة هي روايتي أنا وليست روايتك.
وحتى نلتقي، علموا الجيل القادم أنهم هم الأمل، هم الفجر، هم الذي عليهم أن يحفظوا هذه الأمانة فربما بعد جيل أو أكثر سيسمع السرد من يحرك ساكنًا ليرسم أملًا ، لا تقدسوا القيادات، بل أنظروا إلى الطريق واسلكوه أمنين.