الرئيسية مقالات واراء
العنوان شكل عقيدة سياسية لدى الدولة الأردنية لعقود من الزمان، والسبب، تجربة الخمسينيات والستينيات التي أثبت فيها اليسار ثوريته وانقلابيته وعدم التزامه بثوابت الدولة. هذا ينطبق على جل اليسار، بمن فيهم القوميون بتفرعاتهم المختلفة، الذين تبنوا الاشتراكية كنهج سياسي أساسي، وكذا الحال مع التيارات الشعبية الاشتراكية، وبطبيعة الحال الشيوعية، فكل هذه التيارات تماهت مع الكتلة الشرقية إبان الحرب الباردة وتضادت مع مصالح الدولة واستقرارها. استخدمت الدولة قوتها وأدواتها لإضعاف اليسار الثوري المنفلت، ونجحت بالفعل في تحقيق ذلك، فغدا اليسار ضعيفا معزولا جماهيريا، ورغم أنه استمر بإنتاج قيادات عميقة ونوعية، لكنها كانت ولا زالت ضعيفة جماهيريا وانتخابيا، وليس أدل على ذلك من نتائج التصويت في عدد من الانتخابات السابقة.
الإسلام السياسي حافظ بالمقابل على اتزانه في فترات اليسار الانقلابية، وغلب تضاده مع اليسار على كل حساباته السياسية، فنجح وترعرع، وعليه، فقد تمت مكافأته من قبل الدولة، التي وجدت فيه لونا سياسيا متزنا يمكن قبوله والتعايش معه. تغير حال ونهج الإسلاميين في منتصف التسعينيات، بسبب الأحداث الإقليمية وأجواء التسويات مع إسرائيل، وأيضا لأنه شعر بقوته في ظل غياب كامل لليسار، ما جعل معادلة السياسة الجماهيرية منقادة من قبل الإسلاميين بتفرد. كان أسوأ لحظات غرور الإسلاميين وتعسفهم باستخدام قوتهم السياسية، تلك الفترة إبان الربيع العربي، حيث ارتكبوا غلطة تاريخية، تمردوا على الدولة، لدرجة أنهم توقفوا عن الرد على اتصالات قيادات حكومية، وذهبوا لدول الجوار لينسقوا ويشاوروا خطواتهم السياسية.
الصورة الآن تبدو في حالة تبدل وتغير، رغم أنه غير واضح لهذه اللحظة إلى أي مدى تعلم اليسار واليمين من أخطائهم. غير واضح للآن إلى أي مدى انزاح اليسار بالفعل للوسط، كما أنه غير واضح إلى أي مدى الإسلام السياسي مستعد لتطوير خطابه وإعادة إنتاج سياساته. مصلحة الدولة والمجتمع بخريطة حزبية وأيديولوجية متوازنة متنافسة، ولكن هذا لا يمكن أن يتم إذا لم تلتقط التيارات السياسية اللحظة التاريخية بدقة، فتقوم بالفعل بإحداث التغيرات الفكرية الضرورية، وأن تقدم برامج عملية تعتقد انها ستنهض بالبلد، وتبتعد عن الشعاراتية العاطفية التي تسعى فقط لجلب الأصوات والوصول للسلطة. نتمنى بالفعل أن تحدث هذه التحولات الفكرية بين التيارات السياسية الأردنية وإلا فإننا سنبقى نراوح مكاننا، ولن نحصد ثمار التحديث السياسي.
رغم ضبابية الصورة الحزبية الآخذة بالتشكل، ورغم صعوبة المواءمة أحيانا ما بين الأفعال والأقوال من قبل هذه التيارات فبعض الأخطاء لهذه اللحظة لا زالت ترتكب، إلا أن ما يريح سياسيا أن الدولة أقوى من الجميع، وقادرة على الوقوف بوجه أي شطط سياسي قد يرتكبه أي تيار حزبي أيديولوجي. لسان حال الدولة يقول: نريد ديمقراطية وتعددية وتنافسية برامجية، فهذا خير للبلد وأهله، ولكن لا يمكن أن يكون ذلك إذا لم تقدم الأحزاب نفسها بحلة برامجية جديدة، وأن تستفيد من دروس التاريخ المهمة.