الرئيسية مقالات واراء
كان الدكتور عمر الرزاز، فرصة نادرة، قد لا تتكرر للتغيير الإيجابي في الأردن، إلا أن حكومته تعرضت إلى أزمات طبيعية، وأزمات مصنوعة في المختبرات المعتمة، من أجل إجهاض كل حكومته.
هذا ليس دفاعا عن الرجل، فقد انتقدت حكومته مرارا، عبر عشرات المقالات، وأرشيفي يشهد على ذلك، وكان يتسم بالحلم الكبير، والصبر على النقد الموضوعي، الذي لا أجندات خلفه.
لا بد أن يقال إنصافا للرجل اليوم، وهو خارج الموقع، إنه كان فرصة لا تتكرر، فقد كان يريد أن تكون حكومته، حكومة تغيير على المستوى السياسي، والاقتصادي، وعلى مستوى ملفات محددة، مثل حقوق الإنسان، وتطوير القوانين، واستشراف المستقبل، وغير ذلك.
حكومته جوبهت بحرب سرية، فوق تركها بلا حماية، مقارنة بغيرها، اضافة الى ما جلبه وباء كورونا، من أزمة كبرى في الأردن، على مستويات مختلفة، واجهتها حكومة الرزاز، بطريقة جيدة مقارنة بغيرها، وبلا شك أن الأضرار الصحية والاقتصادية كانت أكبر من أي حكومة موجودة.
مناسبة هذا الكلام، اننا نرقب حملات هجوم على الرجل، لمجرد أنه أعلن انه سيعطي دروسا في جامعة هارفرد، التي تخرج منها أساسا، وسواء ذهب بشكل متقطع الى ذات الجامعة، أو أعطى هذه الدروس، عن بعد، فهو في الحالتين يحترم نفسه، فلم يهاجر أولا، ولم يترك الأردن، ولم يجلس ليتباكى على مواقعه، ولم يطلب موقعا جديدا، ولا شاغب على من بعده، ولا جرح في سمعة الدولة، واختار مثل كل السياسيين المحترمين في العالم أن ينشغل بحياته الخاصة، سواء في العمل الاكاديمي، او العمل الاقتصادي، دون ان يحمل الاردن الجمائل، واللوم، مطالبا بالمزيد.
الهجمة جرت لأن الرزاز قبل سنوات وهو في موقعه رد على شاب أردني، عبر تويتر، كان يسأله هل هناك أمل في الأردن، أم عليه أن يهاجر، فرد عليه الرئيس بما يمثله الموقع أيضا، قائلا له الجملة الشهير..”لا تهاجر يا قتيبة”… والمنطوق هنا يمثل الشخص والرئيس معا، فلا يوجد رئيس حكومة في الأردن، يخرج ليقول لمواطنه هاجر يا قتيبة، وإلا لما كان رئيسا للحكومة يؤثر على الأردنيين.
المفارقة أن الهجوم على الرزاز جرى بعد الإعلان عن مشاركته في دروس هارفرد، وتعرض الى رشقات تستذكر نصيحته لقتيبة بعدم الهجرة، وتتهم الرزاز ذاته بالهجرة، وهذه مطابقة سطحية جدا، لأن الرزاز في الأساس نصح الشاب بعدم الهجرة، بشكل طبيعي، يتناسب مع موقعه، ويحمل في جوهر النصيحة حضاً على أن يبني الإنسان نفسه في الأردن، فيما الرزاز في المقابل، لم يهاجر، اصلا، وهكذا علاقات أكاديمية طبيعية جدا، فقد يذهب أي شخص إلى دورة، أو ورشة عمل، أو يشارك ببضع محاضرات عن قرب أو بعد، وهذا لا يعني الهجرة، أصلا.
مشكلتنا الكبرى أننا نحب ونكره، ولا توجد تقييمات موضوعية، بل إن الشخصية العامة تتم استباحتها تحت عنوان يقول إن عليها أن تحتمل لمجرد أنها شخصية عامة، وهذا غير صحيح، فهناك خطوط حمراء لا يتوجب تجاوزها حتى في الخصومة، مثل خصوصيات الإنسان العائلية، وبيته، وأبنائه وبناته، أو حتى سفره الشخصي، وهو خارج الموقع، أو عمله في جامعة، أو بنك، أو مؤسسة اقتصادية، وهذه كلها تفاصيل شخصية، لا تجوز استباحتها.
القصة هنا ليست دفاعا عن الرزاز، لكنها قصة النموذج الذي يثير التساؤلات حول طريقتنا وتعاملنا مع بعضنا البعض، ولا بد أن يقال صراحة أن مشروعية النقد تتحطم عندما يتم الخلط بشكل متعسف بين النقد الموضوعي، والاستهزاء أو الاستباحة أو التجاوز على الخصوصيات أو الجرأة على أسماء محددة دون غيرها، وكأننا نقول لبعضنا إننا نسيء استعمال حرية النقد، أو حتى وسائل التواصل، وهذا أمر يوظفه كثيرون للمطالبة بخنق الحريات.
أن يعطي دروسا في هارفرد، خير من أن يتحول إلى معارض مفاجئ، أو أن يجلس ليندب حظه، مثل غيره من المسؤولين السابقين، طلبا لموقع جديد، أو أن يتحول إلى واعظ سياسي، كلامه يفيض بالغمز واللمز، وهذا أمر يحسب له، وليس ضده.
لم يؤسس الرزاز شبكات مصالح أو حماية سياسية أو إعلامية له، ولم تكن له بطانات، ولم يوزع المال، ولا المنافع، وهكذا يكون الدفاع عن الشخص والفكرة، نظيفاً، وليس سدادا لفاتورة.