الرئيسية مقالات واراء
يبدو لي ببساطة ودون تحليل عميق وحتى غير اكاديمي، ودون العودة إلى المراجع أننا أحد الشعوب الغريبة في العالم، فنحن نعيش صراعًا عمره أكثر من مئة عام على فلسطين وما زال الأمر نفسه، لا تغيير في حين تغير العالم كله.
وللحقيقة نعم، العرب كانوا في ذيل القافلة وما زلنا في ذيل القافلة كمجموعة، ربما كأفراد كان لنا مواقع عالمية ولكن ذلك أيضًا قليل، العرب كانوا متفرقين وما زالوا كذلك بل وللأسف ازداد عدد الدول العربية، كانت الدول مقسمة بين بريطانيا وفرنسا، أصبح النفوذ اليوم للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، لم يتغير شيء ، كنّا نأكل ونصدر، أصبحنا نستورد ونأكل، حتى الطفرة النفطية التي أخرجت الخليج من الفقر مرت بعيدًا عن الشعوب ما زال الجوع يقتلها، وهي تفضل العامل غير العربي للعمل فيها وليس العرب والمسلمين إلا الفتات، نفس الخلافات والمؤمرات، من الزعامة حتى العامة، الكل يحاول الفهم ولكن لا شيء.
على الصعيد العلمي كان الفلسطينيون وما زالوا في الطليعة العلمية رغم الشتات، ورغم كل الظروف تكاد تنعدم الأمية بين ابناء الشعب الفلسطيني.
أجمل ما في الشعب الفلسطيني كثرة الاراء والأحزاب منذ مئة عام ونيف وحتى اليوم، وأصعب ما في الأمر أن هؤلاء جميعًا يرتكبون حماقات الأمس وأخطاء الماضي البعيد والقريب، فلا يكاد يكون لنا حزب أو رأي مستقل، كل فئة تذهب مذهبًا ترى فيه سبيل الرشاد والأخرون هم في طريق الغي، فقسم يتبع القومية، وأخر اليسار، وأخر اسلامي، وكل فئة فيها عشرات المجموعات ولا مجال للمقارنة أعداد كبيرة من الأحزاب والانقسامات الأيديولوجية وكأن الأمس هنا.
لم يكن هناك قرار مستقل في حياة الشعب الفلسطيني، فمنظمة التحرير كانت تتعامل ببراغماتية كبيرة مع الواقع وكانت الزعامات العربية والغربية تفرض رأيها عليها حتى أصبح حيز القرار المستقل أصغر من المقاطعة اليوم، وهذا على كل مركباتها، قد يقول قائل هذه قوانين اللعبة السياسية، ربما سوى أن هذا يثبت ما أقوله، لا تغيير.
اليوم واقعنا كشعب فلسطيني يعيش أسوأ مراحل التاريخ، قيادات الشعب أضعف من أن تتصدى شجبًا أو إستنكارًا وما نجاح الفلسطيني في العالم سوى فردي الإنجاز وليس مؤسساتي كما يظن غالب الناس، بقي أن نقول أن واقعنا في الداخل لا يختلف عن إخوتنا رغم الخصوصية، ما زال هذا يتبع لذاك وما زالت الانقسامات والانشقاقات هي التي تؤلف أحزاب ومجموعات، وما زال الأغلب يعتقد أن الحلول سهلة وما علينا سوى الانتظار سبعون عامًا أخر.
في زمن الطفرة نحن الشعب العربي الوحيد الذي يجرأ على شتم قادته في العلن ويخرج سالمًا لا رقيب ولا حسيب، نحن الوحيدون الذين نمتلك كل المقومات لننهض ولكننا نأبى ذلك، ليس عجزًا بل لأننا نرتعد خوفًا من أنفسنا، نحن الوحيدون الذين نتشدق بالوحدة ونحن أصحاب الانشقاق، نحن الذي إذا اعتلى أحدنا منبرًا أصبح الحجاج الثقفي، ولم يكن يومًا العز بن عبد السلام، نحن الذين نتكلم لغات العالم ولا نتقن العربية، نحن الذين نخاف على الأقصى والقدس الشريف ونسينا أن هناك أكنافًا لبيت المقدس، فضاع شبابنا في الجليل والمثلث والنقب، نحن الذين تراهم في ساحِ الوغى( المظاهرات) ثم ننام حتى الظهيرة ويبقى هديم البيت في الصحراء، كم نحن يجب أن أكتب حتى ندرك عمق المأساة.
مئة عام ونيف وما زلنا دون كل شيء في كل شيء، ما زال العربي في ذيل الأمم، لأجئ شرده وطنه، وغريب في وطن أخر وسجين في موطن أخر، وبين كل ذلك ما زلت أبحث عن بصيص أمل.
وحتى نلتقي، قد أكون شطحت اليوم بكم في سراديب الأفكار المغلقة والمغلفة بالألم سوى أن واقعنا المحلي يبقى مركبًا وأصعب لأننا قد نصبح لاجئون بعد قليل في قرانا ومدننا إن لم نصحو، بعد قليل لن يجد كثير منا مكانه ومساحة فيها لضيقها الجغرافي والفكري.