الرئيسية مقالات واراء
أنقل لكم هنا نصّا رائعا للكاتب اليوناني ديمتري افيريينوس:
«جنينان توأمان قابعان في الرحم، دار بينهما الحديث التالي:
- قل لي، هل تؤمن بالحياة بعد الولادة؟
- طبعاً، فبعد الولادة تأتي الحياة... ولعلنا هنا نقبع استعداداً لما بعد الولادة...
- هل فقدتَ صوابك؟ بعد الولادة ليس ثمة شيء! لم يعد أحد من هناك ليكلمنا عما جرى عليه! ثم هَبْ ان هناك حياة، ماذا عساها تشبه؟
- لا أدرى بالضبط، لكني أحس أن هناك أضواءً في كل مكان... ربما نمشي على أقدامنا هناك، ونأكل بأفواهنا...
- ما احمقك! المشي غير ممكن بهاتين الساقين الرخوتين!
وكيف لنا أن نأكل بهذا الفم المضحك؟! ألا ترى الحبل السُّري؟
فكر في الامر هنيهة: الحياة ما بعد الولادة غير ممكنة لأن الحبل أقصر من أن يسمح بها.
- صحيح، لكني أعتقد أن هناك شيئاً ما، إنما مختلف عما نسمّيه الحياة داخل الرحم.
- أنت أحمق فعلاً! الولادة نهاية الحياة... بعدها ينتهي كل شيء.
-على رسلك... لا أدرى بالضبط ماذا سيحدث، لكن الامَّ ستساعدنا...
-الأم؟! وهل تؤمن بالأمِّ أيضاً ؟؟
- أجل.
- لستَ أحمق فقط، أنتَ معتوه! هل سبق لك أن رأيتَ الامَّ في أي مكان؟ هل سبق لأحد أن رآها؟!
- لا أدري، لكنها تحيط بنا من كل صوب. نحن نحيا في باطنها، والأكيد أننا موجودان بفضل منها.
- دعك من هذه الترهات، ولا تصدع رأسي بها! لن أؤمن بالأمِّ إلا إذا رأيتُها رأي العين!
- ليس بمقدورك أن تراها، لكنك إذا صمتَّ وأرهفت السمع، تستطيع أن تسمع أغنيتها، تستطيع أن تشعر بحميميتها... إذا صمتَّ وأرهفت السمع، لابدَّ أن تدغدغ رحمتُها قلبَك». انتهى الاقتباس.
عندما قرأت هذا النص شعرت براحة نفسية ألقت عن كاهلي معظم هموم الحاضر من قتل وموت وصراعات طائفية ودمار، ومنحني هذا النص إحساسا بأن القادم أفضل، لكننا لا نراه بحكم غيوم الإحباط والسخط التي تغطي أرواحنا، كما يغطي الطحين أو البقسماط السمك قبل القلي.
نحن في الفترة الحرجة من المخاض، القديم فقد مبرره وهو يحتضر بصوت عال وضجيج، والجديد لم يأت بعد، لذلك تنعدم الرؤية وتصبح الأمور مربكة في عالم لا نرى فيه سوى السقوط اللامتناهي ...سقوطنا نحن.
انه سقوط مزر بالفعل، لكنني اسلّح روحي ضده بعبارة قالها غاندي ذات زمن، قبل انتصار ثورته اللاعنفية، يوم كانت الهند تعاني سقوطا مزريا.
قال غاندي:
- ليس كل سقوط نهاية، فسقوط المطر يبشر بأجمل بداية».
أما أنا فأقول:
- لا كلام بعد هذا الكلام...فعلا.