الرئيسية مقالات واراء
للعلجونيين نباهة علمية منذ زمن قديم، وقد انشغلت بهم كثيراً حين كنت اعمل على رسالة الماجستير عن دمشق ورصدت وثائقهم في سجلات محكامها، ولعلّ اشهرهم اسماعيل( سمي أولا بابراهيم) بن محمد العجلوني الجراحي( عاش بين 1676-1749) ومولده قرية عين جنة،وقد حظي بشرف التدريس تحت قبة النسر في الحديث بالجامع الأموي، والتي كانت موقوفة لأعلم علماء دمشق، كما شغل وظائف تعليمية ووعظية متعددة، ولقب بالعلجوني الكبير، وهناك عالم آخر هو محمد العجلوني الصغير الذي عمل في محكام دمشق وعلم بمدارسها، ومن العصر المملوكي نذكر ابراهيم بن محمد العلجوني (توفي:1422م) وأشهر تصنيفاته «شرح على المنهاج» ووصفة المؤرخ المصري السخاوي بقوله:» وهو في الشاميين نظير البيجوري في المصريين».
يطول سياق اسهامات العلجونيين العلمي، وفي الأردن برز القاضي المرحوم الشيخ محمد صالح العجلوني(ت:1961م) أحد ابرز رجالات القضاء الشرعي حيث عمل قاضيًا في: عمان والكرك وعجلون ومأدبا والقدس والخليل. ومن هذه الأرومة الطيبة العالم الكبير الدكتور كامل العجلوني نجل الشيخ محمد، وهو طبيب وعالم كبير يعرفه كل الأردنيين بعلمة وسعة أفقه وصرامته في الإدارة وتعدد بحوثة واهتماماته العلمية.
وبين ايدنا موسوعته او مدونته عن تاريخ الطب في الأردن وفلسطين، التي جاءت في ثلاث مجلدات كبيرة، تناولت تطور الطب والطبابة في القرن التاسع عشر وتحولاته المؤسسية وصولا إلى العصر الراهن. وقد بدأ بالحديث عن الزمن العثماني والجهود التبشيرية وتأسيس الطبابة والمستشفيات ورواد الحركة الطبية والقوانين والتشريعات ومهنة التمريض والاختصاص العلمي وبناء المجالس والكليات العلمية في الجامعات.
من مباهج هذا التاريخ الذي وضعه العجلوني أنه حظي بمقدمات لاربعة علماء كبار هم: موسى الناظر وعلي محافظة ومحمد عدنان البخيت ومحمد عصفور، وهي مقدمات ضافية القيمة والمعاني، وكل واحد تحدث عن رؤيته وعلاقته بهذا السفر الكبير، بمعنى أن د كامل آمن بفكرة الفريق والنصح والتوجيه، وكان لقاء السبت لهم في مكتب د كامل فرصة للتقييم وتبادل الرأي.
لكن ما غاب عن المقدمات أن هذا التاريخ يقع ضمن تاريخ مدرسة الحوليات والتاريخ الجديد، أي انه ليس تاريخا للزمن السياسي او لحدث بعينه، جمع فيه المؤلف بين حذاقة الطبيب والدقة في التشخيص، وبين الشمولية في المعالجة، مع وضع خلاصات وتقيمات لكل فصل.
إن الكتابة عن تاريخ الطب في الزمن العثماني قليلة، مع أن انشاء المستشفيات قديمة في زمن السلاطين الكبار إذ أنشئ أول مستشفى في الدولة العثمانية في عام (802هـ/1440م) من قبل السلطان يلدرم بايزيد (الأول) في بورصة، والثاني من قبل السلطان محمد الفاتح عام (875هـ/1470م) في إسطنبول. في البلاد العربية تشير سجلات محاكم دمشق الشرعية رقم 61 و 64 إلى أن البيمارستان النوري الذي أسّسه الملك العادل نور الدين زنكي وخصصه كمشفى للمساكين والفقراء، وعرف كاهم المشافي العربية الإسلامية وعلم فيه كبار الأطباء مثل ابن سينا والزهراوي. كان عاملاً سنة 1145هـ/ 1732 م كما أنّ التداوي فيه كان على درجتين، من خلال وظيفة «الطبابة الأولى» ووظيفة «الطبابة الثانية» وقام بهما «الطبيبين الحاذقين المعلم حنا، والمعلم عبيدو ولدى المعلم لطفي بن المعلم عبد المحسن الطبيب «بمعلوم قدره في كل يوم ثلاث بارات، وفي نصف وظيفة الطبابة بالبيمارستان المرقوم بمعلوم قدره في كل يوم ثلاث بارات وربع بارة...» .
ختاماً، لقد فتح لباحثين د كامل العجلوني، فتحاً معرفيا للباحثين، لكي يقدموا اسهامات علمية جديدة، فله الشكر ونعم الأجر أجر العاملين.