الرئيسية مقالات واراء
فقدت روسيا عنصر السرعة في فرض أمر واقع جديد فوفق السيناريو المفترض أن سيطرة سريعة على شرق أوكرانيا والعاصمة كييف ستؤدي لانهيار الحكومة القائمة ونقمة شعبية عليها لما أوصلت البلاد اليه وبروز قيادة جديدة تتفاوض مع الروس على ما كانوا يطلبونه قبل الغزو أي حياد أوكرانيا العسكري وبقائها بعيدة عن حلف الناتو ولن يملك الغرب وسيلة لمنع هذا المسار.
لا يمكن تخيل اقدام بوتين على عملية الغزو وفي باله غير هذا السيناريو رغم ما قاله قبل يومين أن الأمور تسير وفق ما هو مخطط لها، والحال الآن أن التراجع لم يعد ممكنا وتطبيق السيناريو آنف الذكر أقل احتمالا والسيناريوهات القادمة تراوح بين السيئ والأسوأ.
الأسوأ هو ان يستمر التقدم البطيء ويتورط الروس في حرب استنزاف مديدة بوجود قيادة اوكرانية يلتف حولها الشعب وتمثل دور المقاومة البطولية في وطنها وتحظى بدعم وتوحد غير مسبوق في الغرب الذي اصبح لديه قضية مثالية كمدافع عن مبادئ الحرية في وجه الاستبداد، وسيستمر حصار روسيا سياسيا واقتصاديا بأقسى صورة وسوف تكون مطالب روسيا الأمنية ماضيا منتهيا والحاضر فقط مصير نظام بوتين الذي يرتبط برحيله انتهاء الأزمة وليس فقط بالانسحاب التام من أوكرانيا بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
السيناريو الأقل سوء ان تتموضع القوات الروسية في شرق أوكرانيا في مناطق يسهل السيطرة عليها ويتحقق وقف لإطلاق النار يعفيها من مواجهة المقاومة والاستنزاف ومن هناك تدخل في مفاوضات للانسحاب وفق شروط كريمة للطرفين على صعوبة إيجاد قاسم مشترك ما وهذا الحال سيمتد طويلا لكنه مبدئيا ينقذ روسيا من كابوس حرب الاستنزاف و ربما يتيح التكيف مع العقوبات ويصبح النزاع قضية دولية تتعلق بشكل النظام العالمي الجديد الذي يأخذ بالاعتبار القوى الدولية الكبرى الصاعدة مثل الصين ويفتح بعض الشقوق بين الموقف الأمريكي والأوروبي ولا تبقى الأزمة هذه الأزمة مواجهة منفردة بين روسيا والغرب. وقد تخرج روسيا أضعف لكن نظام أحادية القطبية الأمريكية سيشهد أفوله أيضا.
قضية روسيا مع أوكرانيا كانت واضحة ومشروعة وهي حقها الأمني كقوة نووية رئيسة ان لا يتابع الناتو ضم دول أخرى مجاورة لها وزرع الصواريخ النووية على حدودها. والمشكلة هي الخلل بين وزن روسيا كقوة نووية موازية للولايات المتحدة وحجمها الاقتصادي الأكثر تواضعا ويبدو ان بوتين بلور عقيدة اثبتت فعالياتها في ساحات المنافسة على النفوذ وهو الزج بالقوة العسكرية في الميدان تعويضا للخلل في ميزان القوة الاقتصادية. فعل ذلك في سوريا ثم في القرم عندما جاءت حكومة معادية في كييف. لكن الخطوة الأخيرة بإجتياح أوكرانيا تعدت الخطوط الحمر كليا.
اجتياح بلد آخر عسكريا ليس أمرا مشروعا مهما كانت المبررات. والشيء الوحيد الذي كان يمكن ان يغفر لبوتين فعلته هو النجاح التكتيكي بعمل خاطف قبل ان يستفيق العالم وتأخذ ردود الفعل مداها ويتم نقل الموقف برمته الى مرحلة جديدة حيث تكون المطالب المشروعة في مقدمة المشهد وعلى الطاولة مقابل «إزالة اثار العدوان» وفقا للسيناريو الذي اشرنا له في البداية.