الرئيسية مقالات واراء
ما يهم في الحرب الطاحنة في أوروبا بين روسيا وأكرانيا ليس من سينتصر في النهاية؟ وليس حتى المصالح لكل طرف، فهذه في مجملها مراحل تمر بها الحروب، السؤال المهم هو؛ هل يستطيع استراتيجو الحرب أن يقولوا آراءهم فيها بحرية؟ بمعنى عندما يقترح أحدهم اقتراحًا لا يناسب الفكر المسيطر، هل سيناقش؟ هل سيعطى له مكان؟ هل يسمح لمن يفكر بطريقة مختلفة أن يبدي رأيه؟
ليس هذا إلا مثالًا أريد به أن نفتح العيون قليلًا فقد تعودنا على سياسة مع وضد ونستطيع أن نحرق الأخضر واليابس كي نثبت وجهة نظرنا، لمن نحن أقرب في طريقة التفكير؟ أكاد أجزم أننا أقرب إلى نمط التفكير الروسي، لا نقبل أبدًا رأيًا مخالفًا ولا نرضى بخبير يحاول إقناعنا بمحاولة رؤية أبعد من أرنبة أنف الواحد فينا.
وحتى لا أتهم بمناصرة أحد الطرفين أقول أن ثعالب السياسية الأمريكية والأوروبية سيدفعون روسيا ثمنًا باهظًا ويحجمون روسيًا ليس لأنهم على حق، بل لأن سياسة الأقطاب القديمة ولت من العالم، وأوربا لا تريد الموت بل الحياة، هذه أوروبا التي منذ ثلاثة قرون لم تتوقف عن قتل بعضها البعض وتشريد شعوبها وغزو الواحد الأخر حتى منتصف القرن الماضي، أدركت كم أنهكتها الحروب، منذ غزو نابليون بونابرت لروسيا القيصرية في بداية القرن التاسع عشر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
وبمنعطف حاد نحو العصر الذهبي الإسلامي نجد أن الدولة قد استمتعت باستقرار ونفوذ تحت أهم شرطين الأول العدل والثاني الحرية في التفكير وهذين الأمرين وضعا قيمًا عديدة أخرى أمام الناس فانتشر الفكر والعلم فلا عجب أن ساد الإسلام ؛ من هنا ندرك أن الغرب رغم إختلافه العقدي مع الشرق، إلا أنه استمرار للشرق الأصيل في حين أن النمط الروسي هو أقرب لواقعنا اليوم ( المتردي) سوى من نفوذ وقرار بالتقدم علميًا وترك الجوانب الأخرى جانبًا فقضية العدل والحرية لا تقترب من المنظومة الغربية.
سينتصر الغرب ليس لأنه الأفضل بل لأنه يعطي مساحة أكبر لكل شيء ( هذا لا يعني أني أوافق الغرب في منظومته الأخلاقية).
ولذلك لا أستغرب عندما أشاهد شباب اليوم وهم يحملون فكرًا واحدًا يحاربون من أجله ولا يقبلون حتى التفكير خارج النمط، طرق التفكير هذه تلاحق الشرق بكل أطيافه الفكرية، من إسلاميين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار الإسلامي، ومن أصحاب الفكر العلماني المركب ( فصل الدين عن الدولة) والعلماني البحت ( الذي يعتمد العلم وينأى عن الدين) بغض النظر عن واقعيتهم ( براغماتية) ، نحن أقرب عندما تدرك حرب الأشخاص وتقديسها، وعندما يسمح القائد لنفسه بمهاجمة من يختلف عنه أو معه ويكاد ينادي بهدر دم الطرف الأخر والويل كل الويل عندما يقوم الأخرون بالعمل ذاته.
نحن عقول تتحدث عن العدل ولكنها تحبه فقط إذا كان في جانبها، نحن قوم نحب الحرية ولكن فقط لفئة معينة وليس للجميع، نحن فوق ذلك كله نتشدق ليل نهار إننا أحرص الناس على مصلحة الشعب ولو هلك جوعًا وعطشًا وبردًا، نحن من يلتقي مع كل الناس سوى من هم ينافسوننا في العمل الصادق فهؤلاء خطرٌعلى الأمة.
وحتى نلتقي، فليحاول كل واحد فينا بروية أن ينظر لنفسه، لعلة بوتين صغير، وقزم كيم، لعله نسخة مصغرة من ماكرون أو زلينسكي الكوميدي أو القائد المتهور، في نظري نربي حولنا بوتين صغير في كل زاوية ونعطيه الأمل أن يصبح كبيرًا، وعندما ندرك ذلك سنفهم لماذا نقتل بعضنا ونتهم بعضنا ونحرم على غيرنا ونحلل لأنفسنا.