الرئيسية مقالات واراء
دخل الصراع العالمي بين روسيا والولايات المتحدة إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي.
فحجم العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب وأمريكا على روسيا ستكون ذات آثار وخيمة على الجانبين، وربما ستنعكس على الغرب أكثر فيما لو لوّحت روسيا باستخدام سلاح النفط للرد على الاستفزازات الامريكية التي تلوح باستبدال النفط الروسي. فمسألة استبدال النفط ليست بتلك البساطة، هناك عدة حقائق على أرض الواقع تفرض واقعاً موضوعياً من الصعب تغييره بسهولة.
فيما يتعلق بالغاز المسال لن يكفي بناء محطتين إضافيتين لاستقبال الغاز المسال في ألمانيا، بل من الضروري إنتاج إضافي للغاز بكميات قادرة على سد حاجة القارة الأوروبية، ولن يكون ذلك متاحاً من الناحية التقنية أو العملية قبل 5-10 سنوات.
إذ أن روسيا تغطي ما يعادل 40% من حاجة القارة العجوز. أما بخصوص النفط فروسيا تنتج ما يقارب عشرة ملايين برميل يومياً، وتصدر ما يقارب خمسة ملايين برميل. فاستبدال النفط الروسي ممكن، لكنه يحتاج فترة من الزمن أيضاً.
فقد رفضت دول الاوبيك+ الإملاءات الأمريكية بزيادة الانتاج وتمسكت بالاتفاقيات مع روسيا على كميات الانتاج اليومي، وذلك لسببين؛ أولهما: أن السعر سيبقى في ارتفاع ويمكّنها من جني الأرباح.
والسبب الآخر الذي يبدو منطقياً أن نتائج العقوبات ستؤثر على الاقتصاد العالمي وعلى معدلات استهلاك الطاقة، مما قد يضطر دول الأوبيك+ على تخفيض الانتاج للمحافظة على سعر البرميل ضمن المستويات المتفق عليها، والتي قد لا تؤدي إلى خسارة تؤثرعلى إقتصادات تلك الدول.
في حين تسعى أمريكا لإغراق الأسواق لتخفيض سعر البرميل مما سيمكنها من التحكم في انتاجها والبيع وجني الأرباح على حساب دول الاوبيك، التي ستخسر من جراء انخفاض سعر البرميل، فيما لو زادت الانتاج الآن.
لذا فأنه من المستبعد أن تغامر الولايات المتحدة بزيادة انتاجها من دون دول الاوبيك إلا بنسب قليلة. وفي حال حصل ذلك وانخفض سعر البرميل دون كلفة الانتاج المرتفعة في أمريكا، فإنها ستكون قادرة على الشراء ومراكمة احتياطها من النفط.
أما محاولاتها للتصالح وتخفيف العقوبات عن فنزويلا وإيران بعد أن قامت بتدمير اقتصادهما منذ سنوات لن يكون فعالاً. وإن وافقت طهران وكاركاس على زيادة الانتاج فتحتاج إلى الوقت وحجم استثمارات كبيرة لتستطيع زيادة انتاجها، وهي غير مستعدة لذلك على المدى المنظور.
إن الولايات المتحدة تتصرف بشكل أناني يخدم مصالحها وحدها ضاربة بعرض الحائط مصالح حلفائها الاوربيين، أو حتى الدول النفطية، التي، وإن كانت غنية، غير قادرة على طباعة النقود كما تفعل البنوك المركزية الأوروبية أوالفيدرالي الأمريكي، ولذلك فزيادة الانتاج سيخفض السعر ويخسرها من ناحية، ومن ناحية أخرى أصبحت الثقة مهزوزة بالنظام الأمريكي الذي لا يحترم ولا يلتزم بالاتفاقيات والوعود المبرمة مع أي دولة.
كنتيجة موضوعية يوجد صعوبات حقيقية في تحقيق مراد الولايات المتحدة على المدى المنظور. والغد سيكشف لنا الكثير من الحقائق التي ستغير مجرى الصراع العالمي، والتي قد تنهي هيمنة الدولار وتكون إيذاناً بسقوط النظام المالي العالمي الحالي في ظل القرارات الروسية الأخيرة لإجبار الغرب على شراء المنتوجات النفطية والدفع بالروبل بدلاً من اليورو أو الدولار.