الرئيسية صوتنا
يوم الأرض ليس يومًا للذكرى والاستذكار فحسب، ولا لإعادة انتاج الوعي بأن فلسطين محتلة وينبغي تحريرها فقط ، ولا لترديد: "لايضيع حق وراؤه مطالب" ... إلخ من هذه الشعارات المختلفة. فهذه الشعارات، على أهميتها، لا يمكن اختصار يوم الأرض بها، فليوم الأرض مضامين ومعانٍ تتجدد كل عام يوم الثلاثين من آذار.
ويبدو أن "التاريخ" بمكره الشديد قد انحاز، يوم الثلاثين من آذار عام 1976، للشعب الفلسطيني، فجاء يوم الأرض في شهر آذار، وهو الشهر الذي تتفجر فيه الطبيعة، وتخرج الأرض "أثقالها". إذن هو شهر الولادة، شهر الخصب والحياة.
وفي العهود القديمة لا تجد شعبًا لا يحتفي بآذار، فالمصريون القدماء احتفلوا بآذار؛ كانوا يضحون بأجمل نسائهم، فيلقونها في نهر النيل تقديسًا لمائه، واحتفاءً بآذار. وما زال المصريون حتى اليوم يحتفلون بآذار في العيد الوطني "شم النسيم". وكذا حال الفرس بعيد "النيروز"، وشعوب أخرى كثيرة.
فلسطينيًا، يجدد الفلسطينيون كل آذار القول إنه شعب حي، ولا يمكن أن تتحقق النبوءة الصهيونية: الكبار يموتون والصغار ينسون. ولعل التأشير إلى بعض الحقائق يؤكد أن فلسطين ليست أرضًا بلا شعب، كما قال الصهاينة الأوائل، وأن المشروع الصهيوني، على عكس ما يحاول الصهاينة القول، ينحسر ويتراجع:
1: أكثر من 50% من السكان في جغرافية فلسطين "الانتدابية" من رأس النقاورة في الشمال، وحتى حدود سيناء في الجنوب، ومن نهر الأرض في الشرق وحتى البحر الأبيض المتوسط في الغرب، هم من العرب الفلسطينيين، أي أنه بعد أكثر من مئة وخمسين عامًا من بدء الهجرة اليهودية لفسطين، وأكثر من سبعين عامًا على تأسيس "الكيان الصهيوني"، ما زال الفلسطينيون هم الأكثرية، وأن ما قاله "هرتزل" في مؤتمر "بازل" عام 1897: "العروس جميلة لكن ليس لها عريس". غير صحيح فعريسها موجود، ويسيل دمه كل يوم لتأكيد أن للأرض عريسًا. وهذا مأزق استراتيجي وجودي يعيشه المشروع الصهيوني.
2: ترتكز الاستراتيجية الصهيونية، منذ تأسيسها، على مقولة: أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض. لكن هذه الاستراتيجية سقطت، لذا فإن سؤالًا وجوديًا ما انفكت مراكز البحث الصهيونية تطرحه: هل نختنق بالقنبلة الديموغرافية، أم نحلها على حساب جيراننا - يقصدون الأردن -، حتى لو أدى ذلك إلى خلق قلاقل لدى "جيراننا"؟
السؤال الأبرز في هذا السياق: هل بالإمكان اليوم تهجير قسري أو طوعي للشعب الفلسطيني، الجواب بالتأكيد كلا. وهذا مأزق استراتيجي ثانٍ يعيشه المشروع الصهيوني.
3: حاولت الصهيونية ودولتها منذ انطلاق العمل المقاوم محاصرة الشعب الفلسطيني، ومنعه من التحرك والانتفاض، صحيح أنها تمكنت في كثير من الأحيان من تحقيق نتائج، لكن الشعب الفلسطيني يعود وينتفض من جديد، ويعيد نفسه إلى صدارة المشهد، وهذا يعني أن كل المحاولات لمنع المقاومة فشلت. وهذا مأزق استراتيجي وجودي جديد.
4: الصهيونية ودولتها تعيشان حالة "استعصاء"، فهما غير قادرتين منذ أكثر من ثلاثين عامًا على تحقيق انتصار عسكر حاسم، كما فعلت في البدايات 1948 و 1967، وهما في الوقت عينه غير قادرتين على تحقيق تسوية سياسية مع الفلسطينيين، يسمح حتى لأكثر المتحمسين لهذه التسوية من التوقيع على ما تريده الدولة الصهيونية. وهذا موضوعيًا حالة "استعصاء" ... وهذا مأزق استراتيجي وجودي آخر.
لكن من المؤكد أن الكيان الصهيوني لم يفقد مصادر قوته، ومن المهم الانتباه إلى ذلك، وعدم الارتهان إلى مآزق المشروع الصهيوني، غير أنه وفق كل المعطيات يعيش أزمات استراتيجية وجودية، وهذا شأن تتناوله الصحافة العبرية كل يوم، لذا فإننا نقول في يوم الأرض، كما رددنا سابقًا، ونبقى نردد: عروسنا جميلة ولها عريس.