الرئيسية مقالات واراء
أحب نظريتين أؤمن بهما في حياتي، الأولى نظرية الزهور البرية، هذه النظرية بكل تواضع لي حقوقها كاملة رغم أني لم أحدث إلا القليل بها، تقول النظرية أن الزهور البرية تأتي عليها أعوام خير ومطر فتتكاثر وأعوام سنين فتنمو بقلة، إلا أننا نلاحظ رغم ذلك تتكاثر الزهور كل عام، ربما تكون أقل قوة أو أقل بهجة إلا أنها تتكاثر، وهذا التكاثر يبدو عجيبًا فزهرة واحدة ترحل بعيدًا عن المرتع تكون وحيدة عامًا كاملًا حتى إذا إنقضى العام وأقبل الربيع نبت في نفس المكان مجموعة من نفس النوع والفصيلة، وهكذا دواليك تبقى الأغلبية لتكون بيتًا إلا أن زهرة واحدة قد يحملها الريح لقدرها الجديد، لبيت جديد لتبدأ دائرة حياة، ومع مرور الزمن نتعود القديم والجديد من الزهور حتى تصبح الأودية والطرقات كأنها بساط واحد، سوى أن ألوانه متعددة مرسومة بيد القدر فيأتي البشر عندها أنواع، أحدهم يحمل منجلًا وأخر يحمل قلمًا، فصاحب المنجل يجعل من الزهور حشائش وصاحب القلم يجعل منها قصائد شعر، وأما الرسام فيجعل منها لوحة فنية رائعة.
لا عجب أن الناس تختلف في حاجتها للزهور، فمن يراها حشائش ليس كمن يراها تزين الحقل أو طاولة المكتب أو يصنع منها عطرًا، أو يهديها لحبيب، هكذا يختلف الناس، فهل نقيس الزهور فقط بالحشائش ذلك من الظلم، قد تذهب زهرة لبطن نعجة، وقد تصبح أثمن عطرٍ، كل ذلك فقط يؤكد أن الزهور ستسمر حتى ولو جاء الراعي بمنجلٍ وحصد ستكون أكثر في العام القادم.
أمًا النظرية الثانية فهي نظرية السقف ( ولي حقوقها أيضًا) ، هذا الذي يحمينا، من كثير كل ما قرر المجتمع أنه خطرٌ علينا، قد يكون اجتماعيًا أو رأي دين، أو موروث ثقافي لا علاقة له بأيٍ مما سبق، ثم نجد دعاة التحرر ينادون دومًا بكسر السقف، ويصفون ذلك بالسقف الزجاجي، كي تمتد أيدينا لتحطم هذا السقف، كأن نخرج عن الإجماع أو الاتفاق أو الموروث، قد يكون ذلك منصفًا للفرد في تحطيم هذا السقف، ولكن ما يحدث عادة هو عالم الوحدة، من يخرج من السقف إلى الفضاء يعاني من الوحدة ومن البرد الشديد، فليس هناك أنيس أو جليس ومع مرور الوقت من إعتقد إنه سيصبح مثالًا يلحق به الأخرون، يستغرب أن قلة تفعل ذلك، وخصوصًا في شرقنا في عالم النساء الرياديات، هذه الريادة لها ثمن قد يطول دفعه لسبب بسيط أن المجتمعات لا تحب التغيير.
من هنا أعتقد أن من الأفضل إعادة التفكير في قضية كسر السقف الزجاجي، وتقول النظرية أن علينا رفع السقف قدر الامكان للجميع، للرجال والنساء، للقادة وللشعب ككل، كي يصبح عاليًا يحمي عالمنا ويسمح لنا بحرية ومساحة أكبر للانطلاق نحو أهداف أعلى من سقفنا الحالي، ذلك يوفر الحماية ويكون صمام أمان لكل المجتمعات.
ومن طبيعة الحال أن هذه العملية لن تتوقف، لأن رفع السقف سيستمر، ولأن السقف ثقيل لا يكون العمل فرديًا، بل جمعي بكل تفاصيله، هنا الجهد يكون متفاوتًا سوى إنه جمعي، فقد يضغط أحدهم أكثر من الأخر ولكن لكل فرد مكانة في رفع السقف.
هاتين النظرتين أشعر أن فيهما حلولًا لكثير من قضايانا، من همومنا من إختلافنا، فلا الزهور ستموت بمنجل الراعي ولا الوحدة والانعزال سيكون عنوان الحياة، حاولوا تطبيق هذه النظريات على حالنا الاجتماعي والسياسي، المحلي والقطري، على مستوى كل المواضيع الحارقة ستجد أن الخروج عن الصف وإنشاء موقع جديد من نفس صنف الزهور هو رائع، أليس كذلك يبنى العالم الحقيقي، أحدهم يرحل لأن الظروف أقوى ولكنه يستمر في العطاء، الأخر يركل بقدميه السقف حتى يكون هناك حيزًا لفكر ومكانة لنقاش، ولا نرمي بأحدٍ خارج السقف، هناك مكان واسع تحت الأسقف العالية.
وحتى نلتقي، قرروا من أنتم؟ مجرد زهور تنبت في السهل أو تشقون طريقًا لوادٍ جديد، قد يكون فيه زهور، أو غير ذلك سوى أن أعوامًا قليلة وسيصبح الوادي أجمل، قرروا أتحطموا سقف الزجاج؟ أم ستضعون أيديكم عاليًا ليرتفع سقف الاختلاف، وسقف الحرية المحمي،
ملاحظة لا أدعي المعرفة إلا أني أشير أن البعض يرى أن الأصح استعمال قانون الزهور وقانون السقف بدل النظرية ولا بأس في ذلك، دمتم بخير ورمضان مبارك.