الرئيسية صوتنا
لم أتابع من مسلسلات رمضان سوى ثلاثة فقط، وهذا يشكل أقل من عشرة في المئة من جميع المسلسلات العربية المعروضة في الشهر الفضيل على الفضائيات العربية، وهذا يعني أنني غير قادر فعليًا على وضع تصور، حتى لو كان مبدئيًا، عن مجمل دراما هذا العام، بخاصة أن المسلسلات الثلاثة التي تابعتها مصرية.
لكني، مع ذلك، أستطيع القول، وأنا مطمئن لما أقول، حتى قبل أن ينتهي الشهر الفضيل، وتطفىء الفضائيات شمعة الحفل: ما شاهدته محاولة ساذجة لإعادة اكتشاف "تفاحة نيوتن" من جديد. وكأنهم كل مرة يتمثلون حكاية "نيوتن"، إن صحت الرواية، حينما جلس تحت شجرة التفاح، فسقطت عليه إحدى حباتها، فتساءل: كيف سقطت؟ ما شكل المقدمة الموضوعية لاكتشافة الجاذبية الأرضية.
المسلسل الأول "الاختيار" الجزء الثالث؛ يبدو للوهلة الأولى أن المسلسل يحمل مضامين جديدة، ولا سيما أن شخصية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حاضرة بقوة في تفاصيل الأحداث، فهو أحد أبطال المسلسل، عدا عن اشتراك أربعة نجوم من الصف الأول هم: أحمد السقا، وأحمد عز، وكريم عبدالعزيز، وياسر جلال الذي أتقن دور السيسي بشكل لافت، غير أنك سرعان ما تكتشف أنك أمام خطاب مكرر ممجوج، وكأن المصريين، بتراثهم العريق في الدراما، ما زالوا أسرى حالة سياسية بعينها، وقعت يوم الثلاثين من حزيران، حينما أسقطت الدولة المصرية حكم الإخوان.
صحيح أنني أيدت، وما زلت أؤيد، الوقوف بحزم في وجه المشروع الإخواني، وأي مشروع سياسي مستند لإيديولوجيا دينية، غير أن إعادة تكرار الحديث عن هذه اللحظة، كل اللحظات، يؤكد أمرًا دفينًا في أعماق السلطة السياسية المصرية، أنها لم تتخلص بعد من سلطة "الدين" الإخواني، وإلا ما فائدة القول، كل مرة، إن ما حدث في الثلاثين من حزيران عام 2013 مشروعًا، وله سياق سياسي مُحكم.
المسلسل الثاني هو "العائدون"؛ فأنت وأنت تتابعه تجد الأحداث تتمحور حول الفكرة نفسها، وإن تغيرت الشخصيات، وتفاصيل الأحداث ومواقعها، ولعلي لا أبالغ إذا قلت إنني تذكرت، وأنا أشاهد الحلقتين الأولى والثانية من هذا المسلسل، أنني استمع لفيروز تغني: تعا ولا تجي وكدوب عليّي ... الكدبة مش خطية .. وعدني أنو رح تجي ... تعا ولا تجي.
"ثيمة" المسلسل الثالث مختلفة، لكني بالتأكيد شاهدت تفاحة "نيوتن" من جديد تسقط على الأرض، وتتدحرج أم عينيّ مكتشف الجاذبية الأرضية.
المسلسل يناقش قضية في غاية التعقيد، بل لا أبالغ إذا ما قلت أنها أكثر خطورة من الإخوان المسلمين، ومن أي مشروع سياسي ديني، على المجتمعات العربية، ألا وهي قضية قانون "الأحوال الشخصية"، ومقدار الغبن الذي تتعرض له المرأة جراء تخلف هذا القانون.
هو مسلسل "فاتن أمل حربي" وبطلته المبدعة نيللي كريم، التي جسدت شخصية "فاتن" بشكل مذهل، ويتناول تفاصيل حياة إمرأة مطلقة ومقدار معاناتها مع قانون الأحول الشخصية، المنحاز بشدة إلى جانب الرجل.
مسلسل "فاتن أمل حربي" كان يمكن أن يكون أكثر موضوعية لو لم يُظهر شخصية الزوج بهذه الوضاعة والخسّة، فأنت لا تحتاج لكل هذه الخسّة في شخصية الزوج لتقول إن قانون الأحوال الشخصية متخلف ويظلم المرأة، خاصة أن غالبية الرجال يعانون الظلم نفسه في هذا الواقع المرير، في ظل سلطة رجعية، تعتبر المواطنين مجرد أفراد ملحقين بالدولة.