الرئيسية مقالات واراء
لقد طغت الأحداث الأخيرة والحرب بين المعسكرين الغربي والشرقي في الحرب الروسية – الأوكرانية على الكثير من القضايا والملفات الهامة والساخنة على الساحة العربية ومنها الملف اللبناني. فقد أعلن السيد سعادة الشامي نائب رئيس الحكومة اللبنانية إفلاس الحكومة اللبنانية ومصرف لبنان المركزي. فماذا يعني ذلك؟
لكي يتسنى لنا فهم المقصود، يجب التذكير ببعض الحقائق، فلبنان يعاني منذ سنوات من أزمة اقتصادية خانقة تصنّف الاسوء بين الأزمات التي طالت بعض دول العالم خلال السنوات ال150 الأخيرة. فهي أسوء من أزمة اليونان عام 2008 والتي تسببت بتشريد عشرات الألاف من الأشخاص ودخول البلد في اضطرابات كثيرة، وتعد أسوء بكثير من أزمة الارجنتين عام 2001، وأزمة التشيلي عام 1926 والتي تسببت بانهيارها واحتاجت إلى 16 سنة للتعافي منها وتجاوزها. فهذه ليست المرة الأولى التي تفلس فيها الدول. هذه الإفلاسات للحكومات تلخص بوضوح فشل الأنظمة الرأسمالية التي تحل أزماتها المستعصية بتأجيلها وترحيلها باستمرار.
الاقتصاديون الرأسماليون يملأون الدنيا عويلاً وصراخاً ويختزلون أسباب الأزمات الاقتصادية بأنها تأتي جراء الحروب أو الكوارث الطبيعية أو الأوبئة، وإن كانت هذه أسباباً هامة إذا ما تعرض لها بلد ما. ولكنهم لا يشيرون إلى الأسباب الحقيقية والتي تكمن في البنية الهيكلية للنظام الرأسمالي في التوزيع غير العادل للثروة والفساد المستشري والاستغلال الرأسمالي وسرقة الموارد وتبديدها. وتأتي دائماً الحلول بالإرتهان لوصفات صندوق النقد الدولي التي تفرض سياسات تقشفية لسد العجز في الموازنات الحكومية على حساب المواطن الذي يدفع الثمن غالياً.
يعاني لبنان من مديونية هائلة جداً، تفوق بكثير دخله القومي، فقد بلغ إجمالي الدين العام للبنان 98.73 مليار دولار مع نهاية آب 2021، فيما تراجع إجمالي الدخل القومي من 55.1 مليار دولار عام 2018، إلى 33 مليار عام 2020، أي بمعدل 40% إنكماش في حجم الاقتصاد. كما يتسم لبنان باللامساواة الشديدة بين المداخيل والثروات، ففي المعدل يمتلك 1% من السكان ما نسبته 25%من الدخل الوطني العام، بينما يمتلك 50% من السكان ما نسبته 10% من الدخل الوطني العام. أما الثروات فتمتلك فئة الـ 10% الأكثر ثراءً من السكان نحو 70% من الثروات. فالفساد الإداري لرجال الأعمال والسياسيين على مدار العقود الماضية وسوء الأداء الحكومي أدى إلى تفاقم أزمته الاقتصادية التي تجلت في العام 2019 عندما تخلفت الدولة عن سداد سندات ديونها لأول مرة منذ الاستقلال عام 1943 وقد عمّقت كارثة انفجار مرفأ بيروت وتفشي فيروس كورونا من حجم المعاناة، فما يحدث في لبنان اليوم لم يحدث خلال سنوات الحرب الأهلية التي امتدت لاعوام طويلة. فقد بات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر وفقدت الليرة البنانية أكثر من 90% من قيمتها مقابل الدولار، وارتفعت أسعار السلع الأساسية لما يزيد عن الـ700%. تشير تقارير نفس الاقتصاديين بأن لبنان بحاجة إلى 12-19عاماً للتعافي وتجاوز هذه الازمة.
لبنان دولة ذات هشاشة شديدة وتاريخها حافل بالنزاعات الطائفية ومزقتها الحرب الأهلية وعانى اقتصادها الكثير من الكساد والفساد الذي لا زال سيد الموقف. وهناك تقاعس حكومي متعمد لاتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل الخروج من الأزمة التي هي بحاجة إلى خطة وطنية من أجل إصلاح جذري للاقتصاد بعيداً عن وصفات صندوق النقد الدولي على قاعدة التوزيع العادل للثروة ليست على حساب المواطن قليل الحيلة.