الرئيسية أحداث محلية
أحداث اليوم - د.هاشم محمود
لست ناقدا فنيا، ولا أمتلك أدنى معلومات المعالجات الدرامية، إلا أنني مشاهد من بين آلاف المشاهدين، الذين يميلون في بلاد الغربة لمتابعة كل ما يعالج أحوال القرى والبوادي التي تشبهنا وتحكي قصصنا، وكل ما يعود بنا إلى الزمن الجميل، سواء كان قرية، أو ضيعة، أو هجرة، أو حارة، ولا نهتم كثيرا بجنسية الممثلين ولهجتهم.
جمعتنا الشاشة ذات رمضان على باب الحارة صغارا وكبارا، باب الحارة الشامية، وحفظنا أغنية الشارة عن ظهر قلب، وساد حظر التجول عند موعد بثها، ولكننا فقدنا البريق عندما كثرت الأجزاء وبدأ الحشو، ودخل الربح المادي بين ثنايا الحوار، أبحث كمشاهد بين القنوات، بعيداً عن التعري والإسفاف، أهرب عن الهبوط الأخلاقي، وتجارة الألفاظ، وضعف مقص الرقيب، وبعد أن هاجر الأبناء الشاشة، وأصبحت لهم مصادرهم الخاصة، صرت في كل ليلة وعند العاشرة تماما أقع تحت وطأة الحيرة، وصعوبة الاختيار بين العاصوف المسلسل السعودي، الذي يحكي تاريخ المملكة العربية السعودية بعد أن قدَّم في جزئه الأول تاريخ الدولة في نهاية الستينيات والسبعينيات، والآن في الجزء الثاني يتناول نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، والمسلسل الأردني المشراف الذي يفترض أنه أيضا يصور مرحلة مهمة من تاريخ الأردن وهي نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، ويؤرخ لمعركة الكرامة.
كلا المسلسلين يتناولان حقبة تاريخية مهمة من تاريخ البلدين، ويسلطان الضوء على أحداث كانت مفصلية في إعادة رسم التاريخ، فالأول تناول حرب الخليج الثانية وغزو الكويت، التي غيرت وجه المنطقة والعالم، والثاني تناول معركة الكرامة، التي أيضا غيرت بوصلة الصراع العربي الإسرائيلي، وأوقفت المد الصهيوني على ضفة النهر الشرقية، ومنعته من تحقيق حلمه.
وبالعودة للعملين الفنيين، فقد اعتمد كلٌّ منهما على نجوم كبار لهم وزنهم وحضورهم على الشاشة، وإن كانت الغلبة في النجومية والخبرة للمشارف مع ظهور نجوم شباب على ما يبدو أنهم درسوا التمثيل، كعلم وشهادة ومصدر رزق، على حساب الموهبة، واسندت لهم أدوار رئيسية وشخصيات حساسة، والسؤال هنا لماذا لم تسند الأدوار المهمة التي تخدم الحبكة للنجوم أمثال شايش النعيمي، وحابس حسين، وهشام حمادة!
وبينما ظهرت شخصيات فنية شابة في مسلسل العاصوف لم تكن من الشخصيات الرئيسية، ولكنها أبدعت في الأدوار التي نسبت إليها، ووضعت لنفسها موطئ قدم على طريق الدراما الخليجية والعربية، ولم يخاطر المخرج بسمعة المسلسل على حساب المجاملة الشخصية، فكان للممثلين الكبار حضورهم، وهم بؤرة عدسة التصوير، ومن هنا بدأت كمشاهد أقارن بين الأداء ومقدار الجذب، فمسلسل المشراف كان الأداء متصنعاً جدا، والتسميع واضح، فظهر الممثل، وكأنه يقرأ من الورق، أو يعيد من خلف ملقن، ولم يكن مقنعاً في حضوره، أو تقمصه للشخصية، وهل يعقل شاب في الثلاثينيات يحمل رتبة لواء في ذلك الزمان! مع صفاء وجهه ونظارة محياه. أما الممثلات فوقعن تحت تأثير عمليات التجميل والمكياج الصارخ وركاكة اللغة وتصنع اللهجة، ومن المتعارف عليه أن للدراما مكياج يتناسب مع محتوى النص، فمن غير المعقول أن تكون المشاهد في البادية وعند بيوت الشعر ومع الحمير والدواب الأغنام، والمكياج أقرب ما يكون لمكياج السهرات أو مكياج يناسب الفلل والقصور. والملابس والإكسسوارات، ظهرت وكأنها ملابس اليوم بألوانها ولمعانها، أين ملابس مسلسل وجه الزمان؟ والتي كانت أكثر إقناعا بذلك الزمان، كان على الأقل تعفيرها بالتراب لتخدم الفكرة، وتكون أكثر اقناعاً. أما المونتاج، فقد ظهر واضحا البتر والتنقل بين المشاهد، وكأن من قام بالتقطيع والتركيب أحد الهواة، باستخدام برنامج بسيط مجاني، فالمشاهد غير مترابطة، والخروج من كل لوحة إلى لوحة جديدة كان يتطلب منا كمشاهدين وقتا لفهم ما يجري، خاصة أن الكاميرا كانت تصمت للحظات قبل الانتقال للوحة الثانية، وإذا ما وقفنا عند اللهجة، التي حاول الكاتب الأستاذ محمود الزيودي أن يجعلها قروية وبدوية وبعضا من المدنية، تماشيا مع الأحداث في تلك الفترة، إلا أن تعامل الممثلين مع اللهجة جعل الحوار يظهر ضعيفا، غير مقنع، وكان يحتاج إلى مدقق لهجات، يقف عند كل لفظ يشوه المعنى.
أما النص والسيناريو، الذي لا نستطيع الحكم على قوته بسبب تقديمه بشكل ضعيف من الممثلين، ولكن ماذا لو أن النص وضع بين يدي ممثلين، ومخرج، وفريق فني يعرف جيدا ما يدور في خلد الكاتب؟ أعتقد بأن الحال سيكون أفضل مما قدم، فعهدنا بالأستاذ محمود الزيودي بنصوص قوية، ومعالجات درامية وصلت للعالمية، فهبوب الريح وقرية بلا سقوف وشمس الأغوار، ووجه الزمان الذي كتب حواراتها، كانت خير شاهد، وهم بحق حارس الذاكرة الأردنية.
ولربما العم أبو نزار يجيد العمل مع صديقه وابن جيله سعود الفياض أكثر، بينهم لغة مشتركة، والمرحوم أبو طارق كان يفهم جيدا ما يريده أبو نزار دون أن يكتبه، ويعزفان لحنهم الخاص، وهنا أتساءل أيضاً لماذا اختيرت اللغة العربية الفصحى لغة الحوار للعدو؟ أليست اللغة المكسرة التي اعتدنا سماعها في المسلسلات والأفلام أقرب للمصداقية، ورأفت الهجان كان الأجمل في ذلك، ثم أين الموسيقى التصويرية، التي تعد ممثلا رئيسا في الأعمال الفنية جميعها، ولها نصيبها من الجوائز، إلا إذا كانت «تخسى يا كوبان» كافية من وجهة نظر إخراجية. أما في العاصوف، فنجد أن الأمر تم بطريقة احترافية أخفت الكثير من العيوب، فالنص وضع بيد مبدعين، لذا ظهر بالصورة التي يريدها المؤلف، واللهجة وإن كانت واحدة في أغلب الأحيان مع ظهور اللهجة الجداوية، ولهجة أهل الاحساء أحيانا، إلا أن الممثلين لم يسقطوا في فخها، فكانت إضافة حسَّنت المشهد، وكذلك الأمر بالنسبة للمكياج، فقد كان واضحا أن من وضعه على وجوه الفنانين كان قد قرأ النص جيدا، وفهم كل شخصية أكثر من الفنان الذي يؤديها، قبل أن يمسك بفرشاة الكريمات والألوان.
أكتب هذه السطور ونحن في كلا المسلسلين نقترب من الحلقة العاشرة، وما تزال هنالك المزيد من الأحداث، ولكن مرور هذا العدد كان بالنسبة لي كافيا لأقول أن الدراما السعودية بوجه الخصوص، سحبت البساط من تحت الدراما الأردنية، بعد أن كانت المسلسلات الأردنية تجد رواجا ومتابعين أكثر من غيرها، وكان سكان الحدود الشمالية من السعودية مغبوطين على مشاهدتهم للقنوات الأردنية، ومتابعتهم للمسلسلات البدوية قبل ظهور الأطباق، لست ضد منح الممثلين الشباب فرصهم، ولكن التغيير والإحلال يجب أن يتم بشكل تدريجي، وألا تكون المغامرة بعمل فني عظيم الفكرة، مثل المشراف، يضم معلومات تاريخية، الكثير من أبناء الجيل الحالي لا يعرف عنها إلا القليل.
إن مواقع التواصل الاجتماعي فرضت نفسها بقوة، فالإنتاج والإخراج والتمثيل والتأليف يحتاج إلى إعادة نظر، فكاميرا هاتف ذكي بيد هاو شاب، قد تصنع محتوى يغير وجهة العالم كما فعلت حرب الخليج ومعركة الكرامة.