الرئيسية مقالات واراء
تتعاظم يوماً تلو الآخر الكراهية ومشاعر الغضب والاستهجان ضد سياسات العنف والغطرسة والتدخلات السافرة في شؤون الغير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، التي تنصب نفسها بمثابة الشرطي على العالم، الذي يريد حفظ السلام، بينما هي في الواقع تسعى لجر دول العالم لتدور في فلكها كتابع ومنفذ لسياساتها المعادية للشعوب وحقها في العيش الكريم. ليس ذلك فحسب بل تتمادى في تدخلاتها للإعلاء من شأن مواليها وإسقاط معارضيها بشتى الطرق والوسائل. فالمنهج الغربي لا يقود سوى للتخلف والإفقار وتعميق التطور اللا متكافئ بين دول الشمال والجنوب.
ما حصل في الباكستان الأسبوع الذي مضى ليس بعيداً تماماً عن المنهجية التي تتبعها الولايات المتحدة للحفاظ على مصالحها الحيوية. فقد أوعزت لمواليها بحجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء عمران خان لأنه تحدى أمريكا ورفض أن يكون تابعاً لها، وتحالف مع المحور الصيني الروسي وقام بزيارة روسيا. كان مخططاً لها قبل بدء الحرب الروسية – الأوكرانية ورفض تأجيلها مما أعتبره الغرب وخاصة الولايات المتحدة تحدياً سافراً لها، خاصة وأن البيت الأبيض يعتبر بأن لباكستان أهمية حيوية بالنسبة إلى واشنطن. فالولايات المتحدة تاريخياً تحكم قبضتها على الباكستان عن طريق العسكر، إذ أن الجيش الباكستاني هو الحاكم الفعلي في البلاد. ولو لم تنجح المساعي التي دبرتها واشنطن عن طريق المعارضة للإطاحة بحكومة عمران خان، لما ترددت بالإيعاز للجيش بالتدخل وإقصاء حكومة عمران خان بالقوة. وقد نجحت المعارضة ونصب البرلمان زعيم المعارضة اليميني الموالي للغرب شهباز شريف رئيساً جديداً للوزراء حتى الانتخابات العامة المقرر إجراؤها السنة المقبلة.
أما الأسباب الحقيقية التي إضطرت الولايات المتحدة إلى التدخل؛ فتتمثل في أن النخب السياسية داخل الباكستان آخذة بالتغيير وتراقب عن كثب ما يحدث في منطقة وسط وجنوب أسيا، وخاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وتحوّل الصين وروسيا إلى دولتين ضامنتين للاستقرار في المنطقة. فمن جهة تربط الصين مع الباكستان علاقات الجوار ومشروع طريق الحرير الذي سيعود بالنفع على الباكستان واقتصادها في قادم الأيام. كما تربط الباكستان علاقات جيدة مع روسيا التي وقعت واياها على بناء خط الغاز باكستان ستريم أو خط شمال - جنوب الذي سيتم إنشاؤه من قبل شركات روسية وتقدّر تكلفته بملياري دولار مما يعزز قدرات الباكستان في الاستفادة من انتاجها للغاز واستخدامه على النطاق المحلي. وما زاد من سخونة الموقف هو رفض الباكستان إدانة روسيا ووقوفها على الحياد في مسألة الحرب الروسية الأوكرانية، وامتناع حكومة خان عن التصويت في مجلس الأمن لإدانة روسيا، فقد طفح الكيل بالنسبة للغرب ولأمريكا لذلك كان يجب معاقبة عمران خان وحكومته على هذه المواقف.
تراهن الولايات المتحدة والدول الغربية على بقاء الباكستان دولة حليفة لهم وتابعة، للحفاظ على نفوذهم في هذه المنطقة المتنازع عليها مع نظريهما الحليفين الروسي والصيني، التي تشكل بالنسبة لكليهما بعداً استراتيجياً في فضائهما السياسي ولاقتصادي.
أمام الباكستان تحديات كثيرة فإذا أرادت أن تكون دولة حرة غير تابعة عليها الوقوف بحزم ضد الغرب وأمريكا ورفض الإملاءات والتبعية المطلقة، ليتسنى لها المضي قدماً في تحقيق استقلالها وسيادتها الوطنية على أراضيها وخيراتها وعلى حقها في اختيار الأصدقاء والحلفاء في المنطقة من أجل تحقيق التوازن الاستراتيجي الذي يخدم مصالحها الوطنية.