الرئيسية مقالات واراء
يبدو السؤال ساذجاً حول ما تريده دولة مثل أمريكا قد تكون الأعظم في التاريخ من حيث القوة والغنى والنفوذ والتوسع والهيمنة والسيطرة والعلم والتكنولوجيا والسلاح والعملة والاقتصاد والطاقة والمياه والغذاء والديمغرافيا والتنوع، وغيرها. أمريكا بلاد واسعة وممتدة على مساحة 10 مليون كيلومتر مربع، يعيش فيها 330 مليون إنسان، وتحوي الأنهر والبحيرات والغابات والجبال والسهول والصحراء، وتغطي مساحة شاسعة بين محيطين عظيمين، وتحوي أراضيها الموارد الطبيعية الضخمة، مثل النفط والفحم والنحاس والرصاص والحديد والغاز الطبيعي والأخشاب واليورانيوم والذهب والفضة والنيكل والبوكسيت والزئبق والتنغستن والزنك.
لذلك لدى أمريكا أكبر اقتصاد في العالم، حجمه يقارب 23 ترليون دولار، أي ما يعادل ربع الاقتصاد العالمي، كما تعتبر سلة العالم الغذائية، إذ تتصدر في زراعة الذرة والصويا والقمح وقصب السكر واللحوم والدواجن والحليب، وتحتضن أغنى شركات الغذاء من مثل نستله وتايسون وآرتشر دانيلز ميدلاند وجي بي أس وكرافت. وتحتكر أمريكا، إلى درجة كبيرة صناعة الدواء العالمية، فلديها شركات جونسون وجونسون، فايزر، ميرك وشركاءه، أبيفي، وموديرنا وغيرها. كما أن أمريكا تعتمد على العلم والتكنولوجيا في المحافظة على مكانتها الريادية وقيادتها للنظام الدولي والإبقاء على السلم العالمي، إذ تمتلك 3200 جامعة، بينها الأفضل في العالم، يعمل فيها 4 ونصف مليون باحث، وتستضيف أكثر من نصف المجلات العلمية العالمية، وتنتج سنوياً ما يزيد عن مليون كتاب، 650 ألف بحث علمي، 375 ألف برأة اختراع، وتطلق 770 ألف شركة ناشئة، وتنظم عددا ضخما من المؤتمرات والنشاطات العلمية والثقافية والأدبية. وتقود أمريكا العالم في مجالات التكنولوجيا والاتصالات والمعلومات عبر شركات أبل وجوجل وميكروسوفت وأمازون وادوبي وأوركل وانتل وآي بي أم وهيليوت باكارد، ومجموعة أخرى كبيرة من الشركات الناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات والطباعة الثلاثية والدرونز وانترنت الأشياء، وعدد لا حصر له من تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة.
لا يبدو كافياً كل هذا الغنى والوفرة والتقدم والحرية والرقي السياسي والحضاري، فأمريكا تنتهج سياسة خارجية مع الأمم والشعوب الأخرى لا يمكن تفسيرها وإخضاعها للمنطق العلمي والإنساني؛ إذ تنفق على جيوشها التي يقارب تعدادها مليون واربعمائة ألف جندي حوالي 767 مليار دولار سنوياً، موزعة على اكثر من 800 قاعدة عسكرية في 70 بلداً حول العالم، وتضم سبعة اساطيل بحرية تتكون من 11 حاملة طائرات، 92 طرادة ومدمرة، 59 مقاتلة سطحية صغيرة وسفن لوجستية قتالية، 50 غواصة هجومية، 14 غواصة تحمل صواريخ باليستية وأربع غواصات صواريخ كروز. كما يمتلك سلاح الجو الأمريكي 5200 طائرة مقاتلة، إضافة إلى كل ذلك بالطبع، امتلاكها 5550 صارخاً نووياً، 1897 قمراً صناعياً.
لا يوجد حقيقة من ينافس أمريكا، لا اقتصادياً أو عسكرياً أو علمياً؛ إذ تسيطر على الفضاء والسماء والبحار، سطحها وأعماقها وكل منافذها الاستراتيجية، وتسيطر سياسياً على كل المنظمات الدولية، الراسخة منها والناشئة، وتملي إرادتها على الجميع، والقول أن روسيا أو الصين تطمعان في التمدد والهيمنة فذلك مناف تماماً للواقع؛ إذ أن حجم الاقتصاد الروسي بالكاد يلامس حجم اقتصاد تكساس، أما الصين فهي دولة مسالمة كما يشهد التاريخ لها، وجل ما تتمناه هو تجنب شرور القوى الاستعمارية وحماية أراضيها وشعبها. أمريكا قد تفعل خيراً لو تخلت عن بعض جنونها بأن تدرك أنها دولة عظيمة فعلاً دون الحاجة للسيطرة على الأمم والشعوب المنهكة فعلاً، ولا تريد سوى العيش بسلام. حينها فقط ستحصل أمريكا على محبة وإعجاب العالم بها وتتوقف عن السؤال الذي ردده ذات يوم الرئيس الأسبق جورج بوش الثاني: "لماذا يكرهوننا؟".