الرئيسية مقالات واراء
تعد العلاقة بين الأردن وسورية، العلاقة الأكثر غموضا، خلال العقود الماضية، إذ إن هذه العلاقة قائمة على الشكوك والاخطار والتهديدات منذ عهد حافظ الأسد، حتى يومنا هذا.
لم تسلم هذه العلاقة في أغلب اوقاتها، من مآزق، وأخطار، ومشاريع متضادة، وتنافس، وتهديدات منذ عام 1970، وحتى يومنا هذا، وربما هي أثقال الجوار، أو تباين الهويات السياسية، او اختلاف المشاريع، أو حتى المرجعيات الدولية، وحافلة ايضا بالتهديدات الأمنية.
في عهد الرئيس السوري الحالي، كانت المؤشرات جيدة، بدايات الحكم، وكانت هناك لقاءات على مستويات عليا، هذا على الرغم من استمرار الاختلاف الجذري بين نظامي الحكم، فدمشق تتمدد في لبنان، وعلى صلة قوية بالروس وإيران، وتنظيمات فلسطينية محددة، والأردن اقرب إلى الأميركيين، وبعيد عن إيران، وعلاقاته الفلسطينية تشهد مدا وجزرا بسبب موضوع التنظيمات الفلسطينية، فيما العلاقة مع الفلسطينيين ذاتهم كشعب كانت ممتازة، وصولا الى التحالف مع جماعة اوسلو، وما يعينه ذلك من تباين أردني سوري في المحصلة.
هناك محطات اقتراب بين السوريين والأردنيين، وهناك محطات افتراق، والسوريون يقولون عن الأردن جنوب سورية، ونحن نقول عن دمشق شمال الأردن، وبينهما تباين كبير جدا.
منذ الربيع العربي، والعلاقة الاردنية السورية، مشوشة جدا، لان الجانب السوري قال مرارا إن الأردن يدعم اسقاط النظام بوسائل مختلفة، وان كانت ناعمة وغير واضحة، عبر غرف التنسيق مع دول ثانية، والجانب الأردني يقول ليس لنا علاقة بالذي يجري ولسنا طرفا، ونحن نستوعب ملايين السوريين، كرما للجوار والتاريخ والجغرافيا، ونؤمن لهم حياتهم ودمهم.
بقي الأردن بعيدا عن الجانب السوري طوال سنوات، ولان النظام صمد في المعركة، تغيرت البوصلة الدولية جزئيا، وكانت هناك أصوات عربية واقليمية تريد الانفتاح مجددا على السوريين، بوجود إيران، أو لاجل اقناع السوريين بالتخلي عن التحالف مع الإيرانيين، وقد شهدنا تصعيدا ايجابيا في العلاقة مع السوريين، خلال الأعوام الأخيرة، تجلى ذلك بفتح الحدود مع دمشق، وبدء تدفق البضائع والمسافرين، مع وجود اعتراضات أميركية على التدفق المفتوح للتجارة، ووصل الأمر حد احياء التنسيق الأمني بين الجانبين، وزار الأردن وزير الدفاع السوري، وجرت اتصالات هاتفية على مستويات عليا، وبدأت المؤشرات نحو المنصة الإيجابية تتزايد مجددا، وسط ترحيب لقوى أردنية، واعتراض لقوى ثانية لا تريد نظام الأسد.
الانحراف السلبي في العلاقة مجددا، جرى عبر زاويتين، الأولى استمرار حرب المخدرات والأسلحة وتهريبها عبر الحدود الأردنية- السورية، بدعم خفي من قوى رسمية داخل سورية، والثاني انسحاب الروس، أو اعادة تموضعهم في سورية، وفي مناطق جنوب سورية، وتسليم هذه المناطق لإيران بما يعني أن إيران باتت على الحدود مع الأردن، والضامن الروسي، وهو أيضا صديق الأردن، مشغول بأوكرانيا، وغير قادر على التلفت لتعهدات علاقاته مع عمان.
يقول تقرير لصحيفة موسكو تايمز التي تتخذ من هولندا مقرا لها والتي حجبتها هيئة مراقبة الاتصالات الروسية أن روسيا بدأت عملية سحب بعض قواتها من سورية، للمساعدة في تعزيز قواتها في أوكرانيا، وأنه تم نقل العديد من الوحدات العسكرية من قواعد في جميع أنحاء البلاد إلى ثلاثة مطارات متوسطية، حيث سيتم نقلها إلى أوكرانيا، والقواعد التي تم التخلي عنها نقلت إلى الحرس الثوري الإيراني، وكذلك إلى جماعة حزب الله اللبناني.
هذا لا يعني في المحصلة، اننا أمام حرب محتملة بين الأردن وسورية، لكن يعني ان الوضع على الحدود قد اختلف فعليا، ولا يوجد طرف يريد أن يضمن الحدود، وحتى العلاقة المتجددة مع السوريين لم تمنع دمشق من ترك المناطق المحاذية للأردن، بيد الايرانيين.
المخاوف تكمن في سيناريوهات اقلها حدوث اشتباكات عبر الحدود، او عمليات عسكرية، بين الأردن والإيرانيين في أي حالة محددة في الأرض السورية، أو حتى دخول الأميركيين او الإسرائيليين طرفا في هذه القصة، وهذا أمر محتمل حيث تعتدي إسرائيل على سورية دائما.
نحن باختصار أمام مشهد مفتوح على طول الحدود الأردنية السورية، بما يفرض على السوريين عدم هدم التطورات الإيجابية في العلاقة مع الأردن، وإعادة النظر في كل ملف العلاقة مع عمان، وعدم السماح بنقاط توتر جديدة بين البلدين، حتى لو غادر الروس.
كيف سيتصرف الأردن بالفترة المقبلة….هذا هو السؤال؟!.