الرئيسية مقالات واراء
هيثم أحمد الخصاونة
لا ندعو لتطبيق عبارة وزير المالية الفرنسي رينيه دي فوير التي كتبها عام 1751 "دعه يعمل دعه يمر"، للتأكيد على أهمية عدم التدخل في شؤون الاقتصاد الوطني، بل اقول اتركو القطاع الخاص بحالة فقد كفى ما كان.
في كل مرة يصدر بلاغ عن رئيس الوزراء يقضي بتعطيل الوزارات والمؤسسات العامة، في المناسبات والاعياد الدينية والوطنية سرعان ما يثور جدل على نطاق واسع على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في محاولة للإجابة عن تساؤل الناس هل قرار الحكومة ملزم للقطاع الخاص أم لا؟
الحقيقة أن هذا الجدل قديم وليس جديدا، ومستمر منذ سنوات طويلة وفي كل مرة نشبعه بحثا وتمحيصا ثم نتركه دون حسم، لنعود إليه مرة أخرى عند صدور بلاغ جديد، وهكذا دواليك.
قبل أكثر من عشرين عام حُسم الجدل بتحديد عدد أيام العطل الرسمية الدينية والوطنية بخمسة عشر يوم، بما فيها عيد الاستقلال باعتباره مناسبة وطنية مهمة، إذ جرت العادة أن يصدر فيها بلاغ رسمي من رئيس الوزراء، يكون ملزماً للقطاع الخاص في الحالات التالية؛ وهي نوعين؛ أعياد دينية مثل عيد الأضحى المبارك وعددها 5 أيام وعيد الفطر السعيد 4 ايام، يوم المولد النبوي الشريف، يوم رأس السنة الهجرية، يوم رأس السنة الميلادية، يوم عيد الميلاد المجيد، وأعياد وطنية هي يوم العمال العالمي ويوم عيد الاستقلال، وتحسب منها أيام العطل في نهاية الأسبوع إذا وقعت خلالها.
أما البلاغات التي تصدر بتعطيل الوزارات والمؤسسات العامة أو بتأخير أو تعليق الدوام لأسباب تتعلق بالأحوال الجوية او غيرها بهدف الحفاظ على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة او لإجراء الانتخابات العامة، فهذه تخص الحكومة وحدها وغير ملزمة للقطاع الخاص، إلا إذا تضمن البلاغ نصاً بالجهات التي يتوجب عليها الالتزام بهذا القرار، واذا قرر صاحب العمل استمرار العمل فيتوجب عليه أن يوفر الوسائل المناسبة للحفاظ على الأرواح والممتلكات، وعليه أن يمكن العمال من ممارسة حقهم في المشاركة في الانتخابات العامة التي تجرى في البلاد.
الإجابة عن هذا السؤال تتطلب أولا وقبل كل شيئ التسليم بحقيقة مطلقة وهي أن طبيعة العمل في القطاع الخاص تختلف عنها في القطاع العام، فالقطاع العام غالبا ما يقدم خدمات للمواطنين ولجميع القطاعات، في حين أن القطاع الخاص ينتج سلع وخدمات، بعض أنواع الخدمات يمكن تأجيلها ليوم آخر أو يمكن تقديمها من خلال الانترنت، حيث نلاحظ أن بعض القطاعات الفرعية في القطاع الخاص كقطاع البنوك والمصارف والشركات المالية والمشابهة لها تلتزم بقرار الحكومة طبعاً بالاتفاق مع البنك المركزي.
الامر الاكثر اهمية هو ان هناك كلف مادية ومالية على الاقتصاد الوطني نتيجة هذه العطل، حيث تقدر كلفة تعطيل يوم واحد على الاقتصاد الوطني بحوالي 87 مليون دينار، لكن الحكومات على الأغلب ليست معنية إلى حد ما بمعرفة حجم الأثر المالي أو الاقتصادي، وربما يكون الأثر أحيانا إيجابي عليها.
أما القطاع الخاص فيترتب عليه آثار معظمها سلبية مثل خسارة السلع والخدمات التي يتوقع إنتاجها خلال أيام العطل، وكلف أخرى مثل بدل العمل الإضافي الذي يترتب للعامل، نتيجة إلزامه بالعمل في يوم العطلة ويكون صاحب العمل ملزماً بدفع ما يعادل 150 ٪ من الأجر الاعتيادي للعامل بالإضافة لأجره العادي.
هناك شركات عدد عمالها بالمئات وربما بالآلاف تكون ملزمة بدفع آلاف الدنانير بدل العمل الإضافي في أيام العطل، بعضها ملتزم بتوريد منتجاته إلى الزبائن في أوقات محددة، وفي حال الإخفاق في التزويد بكميات الانتاج المتفق عليها، يترتب عليها كلف وشروط جزائية اضافية، لذلك نجد أن بعض الشركات ملزمة احيانا بالدوام بالعمل في بعض أيام العطل التي تقررها الحكومة.
السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي الجهة التي ستعوض اصحاب العمل بالمبالغ والكلف الإضافية التي ترتبت عليهم في مثل هذه الحالات نتيجة لهذه العطل، وهل الحكومة قادرة على ذلك أم لديها استعداد لتعويض القطاع الخاص عن مثل هذه الكلف وربما الخسائر؟ طبعا الجواب لا!!
من جانب آخر معظمنا يعلم أن القطاع الخاص لدينا ضعيف ويعاني من مشكلات مالية وإدارية وتسويقية ولوجستية ومشكلات تتعلق بارتفاع كلف المواد الأولية وكلف النقل وارتفاع في أسعار الطاقة وغير ذلك، وأحياناً عدم توفر أيدي عاملة مؤهلة ومدربة وغير ذلك من المشكلات والتحديات التي تواجه القطاع الخاص .
كما أن الاقتصاد الوطني يعاني من ضعف في معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي وضعف قدرته على خلق فرص عمل لائق لاستيعاب المتعطلين عن العمل والداخلين الجدد إلى سوق العمل، الذين يقدر عددهم بحوالي 90 إلى 120 ألف عامل وعاملة سنوياً، بالإضافة الى حوالي 350 ألف متعطل عن العمل.
قبل ان نجيب عن التساؤلات القديمة الجديدة، وعن مدى الزامية بلاغ الحكومة بتعطيل الوزارات والمؤسسات الحكومية للقطاع الخاص، لابد من ان نفكر في كيفية دعم القطاع الخاص لتمكينه من زيادة الإنتاج وزيادة معدلات النمو في الاقتصاد الوطني ورفع مستوى إنتاجية العامل الاردني.
لسنا بحاجة إلى المزيد من الجدال والحوار حول انطباق قرار العطل الحكومية على القطاع الخاص بقدر ما نحن بحاجة إلى البحث في كيفية تعزيز قدرة القطاع الخاص على توفير فرص عمل كافية للتخفيف من حدة البطالة، التي أصبحت تقض مضاجع جميع الاردنيين دون استثناء، وعن كيفية تعزيز قدرتهم على دفع أجورالعمال بوقتها وتكون كافية لتغطية نفقات واحتياجات العامل والموظف الاردني والمواطن.