الرئيسية صوتنا
لم تمر القضية الفلسطينية على مدى عمرها، منذ مئة عام، كما هي اليوم، فهي تبدو أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، لجهة تدافع بعض الدول العربية على التطبيع، وتراجع لهجة الخطاب السياسي الرسمي العربي تجاه دولة الاحتلال، وفي الجهة المقابلة تجد فصائل المقاومة المناهضة للكيان الصهيوني أكثر حضورًا، وخطابهم أكثر رسوخًا وتجذرًا، فهل مرت هذه المشهدية على القضية الفلسطينية، كما هي اليوم؟
بالعودة إلى الماضي البعيد والقريب، مرت القضية الفلسطينية، والصراع مع الحركة الصهيونية ودولتها بأحداث تشبه، إلى حد ما، ما يجري اليوم، بخاصة قبل عام 1948، وما بعد عامي 1973 و 1982 و1990، لكن ما تغير اليوم أن فصائل المقاومة لم تعد مرتهنة للموقف الرسمي العربي، وهو ما يجعلها أكثر قدرة على الحركة، ويدفع العدو الصهيوني للتعامل مع تهديداتها بجدية، وهنا يمكن لنا أن نستخلص مقدمات موضوعية للمقبل من الأيام.
يشكل يوم غد الأحد – يوم مسيرة الأعلام الصهيونية – حدًا فاصلًا في القضية الفلسطينية، فوفق ما تناقلت وسائل إعلام مقربة من "محور المقاومة" أن حكومة الكيان الصهيوني أوصلت رسالة إلى المقاومة عبر وسطاء، تفيد أن مسيرة الأعلام ستكون في حدود ضيقة، فيما تحدثت وسائل إعلام "إسرائيلية" أن حكومة "بينت" ألغت إجازات الشرطة، وانها ستنشر ثلاثة آلاف عنصر من الأمن، لتفريق المسيرة في حال نفذت فصائل المقاومة تهديداتها، وأطلقت صواريخها من غزة.
وكانت فصائل المقاومة الفلسطينية، وأمين عام حزب الله حسن نصر قد حذروا دولة الكيان من السماح لهذه المسيرة بالمرور في القدس، والوصول إلى المسجد الأقصى، واعتبرت هذه الخطوة تجاوزًا للخط الأحمر، في إشارة إلى ما جرى العام الماضي في معركة "سيف القدس"، حينما ألغت حكومة الكيان هذه المسيرة.
الخيارات أمام حكومة "بينت" الضعيفة محدودة، فإما أن تُلغي المسيرة، كما فعلت العام الماضي، تفاديًا للتصعيد مع المقاومة،
وهذا كما يبدو أصبح من الماضي، فالكيان ماضٍ في تنفيذ المسيرة. أو أن تحاول التوفيق بين خوفها من التصعيد، وخوفها من المستوطنين والمتطرفين والتصادم معهم. فهل تمتلك حكومة "بينت" هذا الترف، فتتمكن من تدوير الزوايا وتخرج من هذا المأزق "لا رابح ولا خاسر"، وذلك بأن تسمح للمسيرة لكنها تحدد مسارها، وتمنع توسعها، تفاديًا للصدام؟
غير أن السؤال الأكثر إلحاحًا أمام "بينت" وحكومته اليوم؛ من يضمن التزام المشاركين في المسيرة بالضوابط التي وضعتها الحكومة لنفسها؟ وهل نشر ثلاثة ألف عنصر أمن يضمن ألا يخرج المتطرفون عما رسمته لهم الحكومة، ويعيثون فسادًا في القدس؟
مقابل هذه الخيارات أمام حكومة الكيان، ماذا لو حدث العكس، ودخلت المنطقة مرحلة جديدة مختلفة؟ فالانزلاق نحو حرب إقليمية أمر لا يمكن استبعاده. فهل استعدت دولة الكيان لخيار الحرب، وأن المناورة في قبرص، التي تنتهي بعد أيام، هي مقدمة لخيار الحرب؟ بخاصة أن وسائل إعلام صهيونية تحدثت عن أنه جرى اختيار قبرص، لوجود تشابه في التضاريس الجغرافية مع لبنان.
إذا كانت المستخلصات السابقة دقيقة، وكانت الأسئلة المطروحة ذات وجاهة، فنحن اليوم أزاء معادلة جديدة، تتمثل في أن موازين الردع بلغت لدى الطرفين – دولة الكيان وفصائل المقاومة - القدرة على الفعل ولجم طموحات الطرف الآخر، وهذا لم يحدث إلا في حالة واحدة بعد العدوان على لبنان عام 2006. وهذا يعني أننا أمام نقطة انعطاف خطيرة، سيكون لها شأن كبير في مستقبل هذا الكيان.