الرئيسية مقالات واراء
كلما ارتفعت أسعار الوقود، وتحديدا بنزين السيارات، يخرج علينا كثيرون بمطالبات لحل هذه المشكلة، لكن الحلول التي يتم طرحها أسوأ ربما من مشكلة أسعار البنزين المرتفعة ذاته.
في عمان كلام عن مطالبات بالسماح بالدراجات “السكوتر” من أجل استعمال الأفراد، بسبب عدم القدرة على شراء سيارة، أو دفع كلفة وقودها، وقد نسمع بعد قليل عن مطالبات بالسماح بسيارات “توك توك” أي المركبة الصغيرة ذات الثلاث عجلات التي نراها في العراق ومصر والهند، والدول التي تواجه مشاكل في أسعار النفط، وبسبب عدد السكان المتزايد، وهي ظواهر لها كلفتها وأخطارها التي يتحدث عنها الجميع، وليس أدل على ذلك من حوادث السير والفوضى المرورية.
يقال لوزارة الداخلية هنا وهي التي قد ترخص لهذه الدراجات بشكل واسع، أن احتمال السماح بدراجات “السكوتر”، أو غيرها، أمر له تأثيرات خطيرة وسلبية، أقلها حوادث السير القاتلة، وبالإمكان سؤال الدول التي تسمح بوجود ملايين دراجات “السكوتر” وسيارات “التوك توك”، التي تتقافز بين السيارات، وتؤدي إلى فوضى مرورية، وتلوث بيئي، فوق ما نحن فيه أصلا.
من المؤسف أن ترى دولا غنية بالنفط مثل العراق تستعمل سيارات “التوك توك”، لنقل الركاب، وفي شوارع العراق، ومصر ايضا ملايين السيارات التي ربما توفر في كلفة النقل والوقود، لكنها تؤشر على مجتمعات تعاني اقتصاديا، اضافة الى التشوه البصري، والحوادث القاتلة، وسط الشوارع، والأمر ذاته يمتد أكثر إلى دراجات “السكوتر” التي تعد خطرا متنقلا، لا يحتمل أي ضربة في شوارع أي بلد، وهذا يقول في المحصلة إن بعض الحلول أسوأ من المشاكل الأصلية ذاتها.
هذا ليس اعتراضا على التخفيف على الناس، لكن ارتفاع أسعار النفط فترة قد تكون مؤقتة، وسوف نتجاوزها بعد قليل، إلا إذا حدثت أزمات عالمية أكبر أدت إلى تدهور كل المشهد.
كما أن الترخيص لهكذا نوعيات يجب أن يراعي طبيعة الأردن الجبلية، فقد تصلح هذه النوعيات في مناطق معينة، ولا تصلح في مناطق ثانية، وهنا يقال صراحة إن مجرد السماح لهذه النوعيات سيؤدي الى انتشارها سريعا جدا في الاردن، بسبب غلاء أسعار الوقود، وحاجة الناس لوسائل نقل، والمثير أننا شاهدنا تقريرا قبل يومين، عبر فيديو لفتيات في الأردن يستعملن دراجات “السكوتر”، في تنقلهن، والأمر هنا برأي البعض يجب أن لا يخضع لتقييمات اجتماعية وحسب، بل لخطورة هذه الوسيلة إذا انتشرت بشكل واسع وكبير في شوارع الأردن، ومناطقه المختلفة.
التحولات التي تتنزل على أي بلد بسبب الفقر، كبيرة، ودليل ذلك ما نراه في الأردن من نشوء ظواهر جديدة، لم تكن مألوفة أقلها انتشار عشرات سيارات البك بك في كل حي، وكل بكب يبيع سلعة ما، أو يصرخ ليل نهار مناديا على بضاعته، ولو أخضعنا عمان لمعايير المدن وتصنيفاتها العالمية من حيث التنافسية، لوجدناها قد انخفضت كثيرا أمام الفوضى العارمة والضجيج، وكا ما نراه في شوارعها، من فوضى لا يقبل البعض نقدها بذريعة لنترك الناس يترزقون.
القصة هنا ليست حرمان الناس من وسائل مواصلات رخيصة، بل القصة الحقيقية هي تأثيرات الفقر، وإلى أين سيذهب بالأردن من خلال نشوء ظواهر جديدة، يتوجب التعمق مطولا في كلفتها وتأثيرها على البلد، بما في ذلك كل حلول النقل التي يتم طرحها مثل دراجات السكوتر، والتي ستحول الأردن إلى غابة من الدراجات المنطلقة بجنون في كل مكان، بما يعنيه ذلك.
الحل الوحيد هو تغيير بنية النقل العام، وغير ذلك سيكون هروبا من أصل المشكلة، إضافة إلى إيجاد حلول لسعر النفط، إذا كان ذلك ممكنا ومتاحا عبر أي وسيلة كانت.