الرئيسية مقالات واراء
قرأت للتو ما كتبه الصديق أحمد أبوخليل على صفحته على الفيسبوك حول زيارته والصديق رمزي الخب إلى جامعة اليرموك، ومقدار ما أصاب المكان من تحولات غيرت الشكل العام، وحولته إلى مكان غير صديق، على أقل تقدير لمن عرف الجامعة في بداياتها، ولولا لقائهما بعدد من الأصدقاء في جلسة لطيفة، لكان يومهما حزينًا – وفق تعبيره -.
تفاصيل ما كتبه أبوخليل عن حال جامعة اليرموك مؤلم، بخاصة لشخص مثلي، عرف أدق تفاصيل الجامعة عن كثب، وله في كل ركن منها ذكرى. فقد تحدث أبو خليل عن غياب المسطحات الخضراء، وانحسار المساحات بين المباني، وتكسير في الممرات والشوارع، لكن الأخطر تفاصيل ما جاء في عدد من الصور نشرها، تتحدث عن حال الجامعة، يعلق عليها قائلًا: المنظر محزن جدًا فعلًا، كراكيب ونفايات وسط المدخل مباشرة، وهناك جنزير حديدي بشع مشدود أمام البوابة. وممرات من مواسير بهدف ضبط الدخول والخروج، قاذورات على جانبي المدخل في الشارع العام، وبسطات على شكل أكوام هنا وهناك. الممرات والدخلات المجاورة مليئة بخربشات بشعة على الجدران.
أتساءل كمحب لهذه الجامعة العريقة: كيف وصلت جامعة اليرموك، التي كانت أمثولة بين قريناتها، إلى ما وصلت إليه؟
تذكرت وأنا أقرأ ما كتبه الصديق أحمد أبوخليل "نظرية النوافد المُحطمة"، وإذ بي أحل اللغز، وأعرف ماذا حدث لنا، وكيف حدث، وكيف أصبحنا لا نبالي، نرى الخطأ فلا نتحرك، وكيف انقطع حبل الرافعة الشوكية في العقبة، وقبل ذلك كيف انقطع الأوكسجين في مستشفى السلط، وما الذي جرى حتى يجر السيل فلذات أكبادنا في البحر الميت وفي الزرقا – ماعين، ونحن نتفرج ونعد الضحايا.
ونظرية "النوافذ المُحطمة" هي نظرية في علم الجريمة، لإرساء القواعد والإشارة إلى تأثير الفوضى والتخريب "الجرائم والسلوكيات المعادية للمجتمع" على المناطق الحضرية. صحيح أنها أحدى نظريات علم الجريمة، لكنها قلبت الموازين في علم الإدارة العامة على مستوى العالم.
النظرية بسيطة للغاية، وتتمثل في أن الكبائر تبدأ بالصغائر، أو أن "عظيم النار من مستصغَر الشرر". فواضعو النظرية يرون أن الجريمة هي نتاج الفوضى وعدم الالتزام بالنظام في المجتمعات البشرية. إذا حطم أحدهم نافذة زجاجية في الطريق العام، وتُركت هذه النافذة من دون تصليح، فسيبدأ المارة بالظن بأن لا أحد يهتم، وبالتالي فلا يوجد أحد يتولى زمام الأمور، ومنه تبدأ نوافذ أخرى تتحطم، وتعمّ الفوضى في البيت المقابل لهذا النافذة، ومنه إلى الشارع، ومنه إلى المجتمع كله.
مبدأ النظرية بسيط ولكنه عبقري في تقنينه ثم جعله أُنموذجاً قابلاً للتطبيق على أرض الواقع، فوجود النوافذ المكسورة في الشوارع يشجع المارة على كسر المزيد منها من باب العبث، ثم يتجرأ الفاعل فيكسر نوافذ السيارات، ثم يتحول العبث إلى جرأة، فتُقتَحم البيوت وتُسرَق وتُتلَف، فتخيل يا رعاك الله أن أحدهم شاهد بعض المخلفات البسيطة في الشارع ولم يرفعها، فيتشجع آخرون على رمي مزيد من المخلفات والنفايات حتى ينعدم الذوق العام ولايصبح للنظافة معنى.