الرئيسية مقالات واراء
الأستاذ الدكتور منصور حسين المطارنه
بإيعاز من جلالة الملك عبد الله المفدّى ورؤيته الثاقبة الاستشرافيّة، وبهدف الارتقاء بمستوى الأردن وتفوقه في مجال صناعة الحوسبة عالية الأداء، تمّ إطلاق مشروع إيمان1 كأول وأسرع حاسوب عملاق أردني ومركز متطور للحوسبة فائقة الأداء فريد من نوعه في المنطقة لمساعدة الباحثين والعلماء الأردنيين على دراسة ومعالجة التحديات الكبرى، التي يواجها الوطن: مثل الصحة والطاقة والمياه ونقص الموارد المادية ودراسة المشاكل المعقدة. لكن للأسف لم يتم استغلاله بالصورة المثلى، إذ ما زال هذا المركز الذي كلّف الملايين مغلق منذ أكثر من خمس سنوات من دون اي استخدام، والذي لا يعكس ابدا رغبة ورؤية جلالة الملك باستخدامه لخدمة مؤسّسات الوطن.
السبب في أن هذا المركز ما زال مغلقًا: هو عجز المسؤولين المعنيين كل بموقعه عن إدارة هذا الملف والتعامل معه بشكل مهني، إذ أنه للأسف رافق هذا المشروع غياب الرؤية لدى أصحاب القرار، وعدم نجاعة اختيار الجهة التي يجب ان يكون هذا المركز الرائد الفريد في المنطقة تحت إدارتها.
بداية وبصورة مبسّطة، هذه الكمبيوترات فائقة السرعة (Supercomputer) تستخدم برامج متعددة تختلف باختلاف التخصص لعمل الدراسات النظريّة، والتي تساهم وتساعد بشكل كبير ومكمل للعمل المخبري والتجارب العمليّة. تسمح الحوسبة عالية الأداء (High Performance Computing) بحل المشاكل العلمية الحسابية المعقدة، التي تتطلب وقت طويل في فترة زمنية قصيرة. هذا المركز يعتبر كمنصة بحثية مجانية متطورة لتطوير ودعم أنشطة البحث العلمي في مجالات العلوم والطب والهندسة. وتمّ البدء بتشغيل المركز قبل أحد عشر عامًا تقريبًا، تلبية لتوجيهات صاحب الجلالة لجعله متاحاً لجميع الجامعات والمؤسسات العلمية في الأردن عن طريق صندوق الملك عبد الله الثاني للتنمية. ومن ثمّ تمّ تدويره بين عدة جهات منها هيئة الطاقة الذرية الأردنية، ومركز ضوء السنكروترون للعلوم التجريبية، ثمّ انتقل تحت مظلة جامعة الحسين التقنيّة، ثمّ عاد تحت مظلة صندوق الملك عبد الله الثاني للتنمية وما زال.
مضى تقريبا أربع سنوات وأنا اخاطب المسؤولين والإدارات وبعضوية اللجان المختلفة ومن خلال وسائل الإعلام واللقاءات المستمرة مع أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة لإعادة الحياة لهذا المركز الرائد لخدمة الباحثين في الوطن ولخدمة مؤسسات التعليم والمراكز البحثية، لكن من دون جدوى، وأثبتوا وبجدارة انهم مسؤولون طارئون على العمل، مرتجفين لا يستطيع أحدهما ان يصدر قراراً لعدم الكفاية والمعرفة، لا بل هو الجهل بحد ذاته.
أثناء جائحة كورونا وبعد الفشل الذريع الذي رافق عمل الاختبارات الالكترونية، آنذاك، وضعف سيرفرات الجامعات وعدم القدرة على استيعاب جميع الطلبة اثناء دخولهم المنصات التعليمية، واثناء عملية التقييم الالكتروني، أوعز جلالة الملك المفدى لمستشاره لدراسة إمكانية استغلال مركز ايمان1، ولقد تشرفت أن أكون أحد أعضاء هذه اللجنة الخاصّة، إذ طالبت أن يجري استخدام المركز لحل مشكلة التعليم الالكتروني، لما تعانيه الجامعات من نقص كبير بالبنية التحتيّة التقنيّة لتحمّل تصفّح المنصات التعليميّة وعمل الاختبارات الالكترونية من خلال تحويله او استثمار المكان لتوفير خدمة السحابة الالكترونية. وتمّ إرسال كتاب للجامعات لبيان الحاجة من خلال وزير التعليم العالي آنذاك، لكن لم تستجيب الاّ ثلاث جامعات على ما أذكر. التفصيلات كثيرة حول ما تمّ تداوله لكن للأسف لم يكن هنالك حل جذري للوضع وبقي مغلق.
لقد قابلت سابقا وزراء التعليم العالي والبحث العلمي، وكلفني أحدهم بإعداد تقرير عن وضع المركز وإمكانية الاستفادة منه لحل مشاكل التعليم والتقييم الالكتروني، وبالفعل تمّ عقد عدة لقاءات لأعضاء اللجنة، وتمّ ترتيب زيارة لهم للمركز والاطلاع على واقع الحال، ومقابلة المهندس الاردني المشرف عليه، الذي تمّ استقطابه من امريكا لبنائه وتشغيله، لكن للأسف تغيّر الوزير وتغيرت معه الرؤى والأولويات، وهذا أحد أسباب التراجع بقطاع التعليم لغياب المؤسسية وعدم ثبات الاستراتيجيات.
ولقد حاولت ايضا ضمّه للجامعة الأردنية، فطلبت من رئيسين للجامعة بأن يُضم مركز إيمان١ للجامعة، وأن يكون تحت إشرافها ومسؤوليتها بالتشغيل وبمساعدة المشرف الذي بناه. كنت أطمح أن يكون تحت مظلّة الجامعة الأم، حيث سيكون للجامعة فائدة عظيمة عند تنفيذ وتبنّي بنية تحتية حديثة ونموذج عمل مستدام للحوسبة عالية الأداء من خلال الاستفادة من أول وأسرع حاسوب عملاق في الأردن، والعمل على تطويره وتحديثه. إذ سيعزّز هذا المرفق الأساسي للبحوث الحيوية القدرة التنافسية العالمية للجامعة ويسهّل تحقيق مهمتها وأهدافها العلمية الطموحة. وبنظري كانت فرصة كبيرة وحقيقية لأن تصبح الجامعة الأردنية أول جامعة رائدة في الأردن ومن القلائل جدا في المنطقة تستخدم تقنية الحوسبة عالية الأداء لدعم البحوث العلمية وتطوير القوى العاملة. لكن للأسف كان رأي المختصين بعد تحويل الطلب لهم بالرفض لأسباب ومبررات برأيي غير موضوعية ومهنيّة. من الملاحظات بأنّ نقله مكلف، وأنا بكتابي لم أتطرّق للنقل بل بالإبقاء عليه في مكانه والمجهّز بالأصل، وذكروا تكلفة التبريد وتناسوا اننا نستطيع تركيب ألواح الطاقة الشمسيّة وعدم وجود مختصين لتشغيله.
والتصور الذي اطرحه بأن يتم إنشاء مركز وطني للتعليم الالكتروني والحوسبة، فالوطن يزخر بكفاءات عالية يجب توظيفها لخدمة الوطن ورفعة وتقدم وريادة التعليم العام والعالي. لذا نسعى بأن يتم الاستفادة من المكان المعد أصلا والذي كلّف الملايين من خلال إضافة سيرفرات حديثة ضمن كابينات حاليا متوفرة وفارغة لاستخدامها كخدمة السحابة الإلكترونية لاستضافة المنصّات التعليمية "المودل" وموقع التقييم الالكتروني لكل الجامعات الأردنية، حيث لن يكون هنالك اية محدّدات لعدد الطلبة وقدرة التحميل. وخصوصا إذا كان هنالك بعد وطني بالمشروع ومشاركة الجامعات الوطنية كافّة من خلال: مثلا شبكة الجامعات الأردنية، بحيث يشارك الجميع بدفع جزء من تكلفة التحديث، وشراء سيرفرات تخدم جميع الجامعات، ما يجعلنا قادرين على عمل اختبار لجميع طلبة الجامعات بنفس الوقت عندما نبني مركز حوسبة رائد. وهنا أودّ أن أشير بأنّ التكلفة المترتبة على تبريد هذا النوع من مراكز الحوسبة وهي التكلفة الشهريّة سوف تكون قيمتها صفر بالطبع إذا تمّ تركيب ألواح الطاقة الشمسيّة فوق سطح البناء الموجود والمجهّز بمجمع الأعمال في عمان.
هنالك تفاصيل كثيرة لا أستطيع الاسهاب وذكرها هنا، لكن آمل انّ هذا المقال المقتضب ان يصل لجلالة الملك المفدى ولصاحب السمو الملكي ولي العهد حفظهما الله لإحياء وبث الروح في هذا الصرح العلمي الفريد والرائد بالمنطقة ليخدم التعليم العام والعالي، وان يسهم في الارتقاء بمستوى الأردن وتفوقه في مجال صناعة الحوسبة عالية الأداء، وذلك تعزيزاً لمكانة الأردن كرائد في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في منطقة الشرق الأوسط والعالم.