الرئيسية صوتنا
أحداث اليوم -
محمد أبوعريضة
ظلت السيدة "أم محمد" تتقاضى راتب زوجها المتوفي من "الضمان الاجتماعي" سنوات طويلة، وهي، برغم ضيق ذات الحال، صابرة محتسبة، غير أن هذه الصورة "المتشائلة" لم تدم طويلًا، فقد أخذت معاناة "أم محمد" تتفاقم بالتدريج، فالراتب، منذ جائحة كورونا وارتفاع الأسعار، لم يعد يفي نصف احتياجات أسرتها، ولولا "صدقات" من هنا وهناك تأتيها، لاستحالت حياتها جحيمًا.
تقول إن الوضع أخذ يسوء بالتدريج منذ بداية هذا العام مع الارتفاع المضطرد بالأسعار، بخاصة بعد الأزمة الأوكرانية – فهي كما تصف نفسها تتابع الأخبار وتهتم بما يجري في العالم -.
انتظرت هذه السيدة، كغيرها من متقاضي الرواتب التقاعدية من "الضمان الاجتماعي" شهر أيار الماضي، لمعرفة مقدار "الزيادة" المرتبطة بمعدلات التضخم - كما يقولون -، فقد تكون هذه الزيادة "الحصوة التي قد تُسنِدّ الزير"، وإذا بها أربعة دنانير وسبعون قرشًا، فأسقط بيدها، كما كل المتقاعدين، فالزيادة في سعر "جلن" زيت القلي أكثر من هذه الزيادة الهزيلة على الرواتب التقاعدية.
بقيت السيدة "أم محمد" صامتة صابرة ومحتسبة معاناتها عند الله، لكنها قررت مؤخرًا أن تتكلم، وترفع صوتها عاليًا، وتقول: كفاك يا حكومة استهتارًا بـ"لقمة عيشنا".
المتغير الجديد، الذي دفع "أم محمد"، وبالتأكيد قد يدفع غيرها، لرفع الصوت عاليًا، قرار المؤسسة العامة للغذاء والدواء المتعلق بمنع إدخال الدواء مع القادمين إلى المملكة، بغض النظر عن الكميه، حتى لو كان القادم إلى الأردن يحمل "شريط ريفو"، اشتراه مريض كان في زيارة لمصر لتسكين آلام أضراسه، ونسيه في حقيبته، فإنه عرضة للمصادرة.
ألهذه الدرجة الاستهانة بآلام الناس - تعلق "أم محمد" على هذا القرار-، فهي غالبًا ما توصي مسافرين إلى تركيا أو مصر أو غيرها من الدول التي فيها أسعار الأدوية "حنيّْنة"، لإحضار أدوية لأمراض مزمنة تعانيها، فهي مريضة ضغط وسكري وهشاشة العظام. صحيح أنها تحصل على بعض أدويتها من وزارة الصحة، بوصفها مؤمنة صحيًا، غير أن أدوية أخرى تشتريها من الصيدليات. فهي تنفق شهريًا بحدود ثلاثين دينارًا على شراء الأدوية المزمة، وغالبًا لا يكلفها شراء هذه الأدوية حينما توصي عليها من دول أخرى ربع هذا المبلغ.
قصة "أم محمد" ليست استثناءً، فمعظم الأردنيين استهجنوا قرار "الغذاء والدواء"، فقد امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية بمئات المنشورات والتعليقات على هذا القرار. معظمها يتمحور حول أمرين: الأردنيون ليسوا مهربي أدوية. والثاني: أن هذا القرار جاء بضغط من مستودعات الأدوية.
وقال الصحافي نادر خطاطبة في مقال على صفحته على "فيسبوك": المفارقة التي تستحق التوقف، أن الحكومة وبتقرير رسمي لدائرة المشتريات الحكومية التي ترفد وزارة الصحة باحتياحاتها ، قالت إنها اشترت العام الماضي كمية ادوية بمبلغ ١٢١ مليون دينار، فيما ذات الكمية يبيعها الموردون في السوق للمواطن ب ٤٨٠ مليونا، كما يعرض التقرير لنموذج آخر يقول فيه إن الحكومة اشترت مضادات حيوية ب ١٣ مليون دينار ، فيما قيمتها في السوق المحلي بلغت ٩٨ مليون دينار، أي بزيادة بلغت نسبتها ٦٩٨ %، فهل الفحش والفجور، يحتاج الى إسناد رسمي أكثر من هذا ؟؟
معظم الأردنيين ما زال يذكر كيف جرى تخفيض أسعار الأدوية قبل سنوات قليلة، حينما خاض د. هايل عبيدات مديرًا للمؤسسة العامة للغذاء والدواء السابق معركة شرسة مع "تجار" الدواء، ولمست أنا شخصيًا، كما غيري من المرضى، مقدار الانخفاض على أسعار الأدوية عام 2019، إذ وصل الانخفاض في بعض أصناف الأدوية أكثر من 60%. ما يعني أن "تجار" الأدوية كانوا يربحون أكثر من 60%، لأنهم حتى بعد التخفيض ظلوا يربحون.
لا أريد إطلاق تعبير "مافيا" على "تجار" الأدوية، لكن "الفحش" في الربح سمة غير المنتمين للوطن، وبالتأكيد غير "الموالين"، حتى ظلوا يتغنون صباح مساء بالولاء والانتماء.