الرئيسية مقالات واراء
رافق الإعلام الغربي بصخبه المعلوم الزيارة الاستفزازية لرئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان. إن المتتبع للسياسة الأمريكية يدرك بإن هذه الزيارة الفوضوية تنسجم مع الطموحات والاستراتيجيات السياسية الأمريكية في تدمير المنافسين مثل الصين وروسيا وغيرهما من الدول التي قد تفكر في الوقوف ضد السياسات الأمريكية ومصالحها في العالم.
في واقع الأمر لم تكتفِ الولايات المتحدة بتوريط أوكرانيا في نزاعها مع الجار الروسي، منذ الانقلاب الذي خططت له ودعمته عام 2014، بل تمادت إلى جر البلدين إلى حرب، وهي حرب بالوكالة كما ذكرت مراراً وتكراراً في مقالات سابقة بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة، وروسيا وحلفائها من الشرق، ومن ضمنهم الصين. بالنتيجة، فكما استطاعت توريط روسيا في حرب طويلة الأمد، فإنها تسعى كذلك إلى محاولة توريط الصين في مخطط مشابه واستفزازها في تايوان، الأرض التي ما زال الصينيون يعبروها جزءاً لا يتجزء من الصين، وهي بالفعل صينية. لهذا فقد أرادت الولايات المتحدة لفت الأنظار إليها، خاصة في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية العالمية منذ أزمة الكورونا إلى الآن.
أمريكا تبحث عن إنجازات ولو بسيطة، لأنها أصبحت تدرك تماماً بإنها تخسر موقعها الريادي العالمي أمام القوى الصاعدة، ما قد يهدد أمنها الداخلي، وهذا ما تخشاه. فمنذ أيام نفذت عملية قتل الظواهري قائد تنظيم القاعدة كإنجاز من الممكن أن يعطي الرئيس بايدن دفعة أمل في استعادة ثقة الشارع الأمريكي. كذلك الحال فإن هذه الزيارة الاستفزازية من بيلوسي استعراض عضلات ليس أكثر، وقد جاءت بالتزامن مع الأوضاع الاقتصادية الحرجة التي تمر بها الولايات المتحدة والدول الغربية من جراء الزيادة المتصاعدة يوماً بعد يوم في حجم التضخم في اقتصاداتها، بسبب طباعة النقود من دون غطاء. بالنتيجة فقد أيقنت الولايات المتحدة بأنه من المستحيل هزيمة دولة بحجم الصين واقتصادها، الذي أصبح قاب قوسين في من التفوق على الاقتصاد الأمريكي، لذلك فالسبيل الأمثل هو اللجوء إلى إمكانية التلويح باستخدام الخيارات العسكرية لمحو الدول المنافسة وتدميرها والقضاء عليها. فالولايات المتحدة تمتلك كثيرًا من القواعد العسكرية في بقاع الأرض كافة، التي تتعدى الثمانمئة قاعدة عسكرية.
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه، هل استفادت الولايات المتحدة من هذه الزيارة غير الممنهجة؟ التي تعتبر مقامرة سياسية فاشلة قد تنعكس سلباً عليها وعلى اقتصادها المترنح، والمعرض إلى المزيد من الانتكاسات خلال الفترة المقبلة، ما قد يهدد بانهيار النظام المالي العالمي، وانهيار الدولار كعملة عالمية. إن مجرد التوجس من فرض عقوبات اقتصادية على الصين قد يؤدي إلى تقليص الاستثمار الصيني في السندات الأمريكية، وبالتالي إلى المزيد من التضخم. ولهذا فإن الولايات المتحدة تدرك جيداً بأن الخيارات العسكرية هي المتبقية ولا يوجد لديها سوى التلويح بها لإطالة مدة بقائها. ومن الممكن أن قد نشهد المزيد من الاستفزازات الأمريكية في المستقبل في محاولة لإثبات دورها بأنها لا تزال الدولة "السوبر باور" على الساحة الكونية. لكن ذلك لن يجدي نفعاً، ولن يوقف عجلة التاريخ. هناك دول ستصعد ودول ستهبط ضمن السياق التاريخي للتطور، ولن تكون الولايات المتحدة استثناءاً عن القاعدة.