الرئيسية مقالات واراء
دخلت الصين في حرب تجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية الصراع على حصة كل منهما في السوق العالمية خلال أزمة فائض الإنتاج. تحل الولايات المتحدة في المركز الأول حسب تقديرات صندوق النقد الدولي لهذا العام كصاحبة أكبر ناتج محلي إجمالي GDP بالنسبة لعدد السكان بواقع 25.3 ترليون دولار، فيما تحل الصين في المركز الثاني بواقع 19.9 ترليون دولار لعام 2022. هذه التقديرات تشير بوضوح إلى تقدم الصين بواقع 3 مليارات عن العام السابق مما يؤكد بإن الصين في طريقها لتكون الأولى عالمياً في السنوات القادمة، ليس هذا فحسب، بل إن هناك بعض التقديرات الغربية الأخرى التي تشير بأن ناتجها المحلي الإجمالي سيتجاوز ال 64 مليار دولارعام 2030. هذا النمو السريع يعود إلى أكثر من عامل منها السياسات الحكومية ومركزية القرار للحكومة التي تشجع الصناعات الوطنية، ووفرة الأيدي العاملة الرخيصة نتيجة للثروة البشرية الهائلة لديها، بالإضافة إلى وفرة الموارد والثروات الطبيعية.
هذه الحقائق لا تعني بإن الأوضاع الاقتصادية في كلا البلدين جيدة، فالولايات المتحدة تعاني أزمات كثيرة، ولن تتنازل بسهولة عن دورها المهيمن في قيادة العالم، الذي يكلفها كثيراً كما ذكرت في مقالي السابق حول تكاليف قيادة العالم، ومن أين ستأتي بكل هذه الأموال لتمويل حروبها بالوكالة سواء حربها مع روسيا أو حربها التجارية مع الصين. هذه الحروب وسياسات الولايات المتحدة التعسفية والعدوانية تجاه الآخرين تؤثر بشكل مباشر على كافة دول العالم، التي تدفع ثمناً باهضاً للتهور الأمريكي في قيادة العالم.
روسيا والصين أيضاً تدفعان ثمناً باهضاً لهذه السياسات، كونهما أطرافًا في المعادلة أيضاً. فالصين غارقة في أزمة أقتصادية نتيجة التراجع في النمو السنوي في الإنتاج الصناعي بسبب جائحة الكورونا وحروب الطاقة العالمية والإغلاقات. فعلى خلفية الديون الضخمة المتراكمة على الشركات الصينية، فإن النمو البطيء يهدد بالمزيد من حالات الإفلاس للشركات. والسيناريو المتاح أمام الصين لحماية اقتصادها وشركاتها هو تخفيض قيمة اليوان أمام الدولار مما سيعزز ويزيد من القدرة التنافسية للبضائع والسلع الصينية وسيؤدي بدوره إلى زيادة الصادرات الصينية. وهذا بدوره سيؤدي إلى إنخفاض في حجم الإنتاج في الدول الأخرى. فقد فشلت مساعي وخطط الرئيس الأمريكي السابق ترامب في خفض العجز التجاري مع الصين، وبالتالي فقد خسرت الولايات المتحدة المنافسة. ولكنها لن تستسلم، والصين بدورها ستعمل كل ما بوسعها لحماية اقتصادها واستمرار صعوده ونموه، وبالتالي فإن التخفيض المحتمل في قيمة اليوان سيؤدي إالى زيادة العجز في التجارة الخارجية لكل من الولايات المتحدة وأوروبا، وهذا بمثابة إعلان حرب من جانب الصين على أوروبا والولايات المتحدة. وبما أن أوروبا أصبحت بدورها تابعآ للسياسات الأمريكية، فأن أمريكا ستستخدم أوروبا كمورداً اساسياً لها كونها دولاً صناعية وأوروبا ستخفض من عملتها لتنافس أكثر ولن تستطيع كبح جماح هروب الأموال من البنوك الاوربية نحو البنوك الامريكية ذات الفائدة المرتفعة. فستشهد الشهور القادمة المزيد من حروب العملة والصراعات الاقتصادية بين الدول الرأسمالية للهيمنة على الأسواق العالمية.