الرئيسية مقالات واراء
الشهيد ناجي العلي من الشخصيات التي تستحق أن نقف عندها، ونستنكرها بين الحين والأخر. أذكر ذاك اليوم المشؤوم الذي أُعلن فيه وفاة ناجي العلي في التاسع والعشرين من شهر آب عام 1987، بعد أن قضى ما يزيد عن الثلاثين يوماً في الغيبوبة، نتيجة للعيارات النارية التي أطلقتها عليه يد الغدر بتاريخ 22 يوليو عام 1987. اذكر هذا اليوم جيداً عندما كنت في زيارة لصديق لي كان يدرس في جامعة الصداقة بموسكو . كنت قد انهيت سنتي الثالثة على مقاعد الدراسة الجامعية أنذاك. كنت اعرف ناجي العلي كرسام كاريكاتير، ولكني لم اكن اعرفه جيداً. وعندما شاهدت مقدار الأسى والحزن حولي، أدركت أهميته فبدأت معها أنبش تاريخ هذا الرجل، فقرأت كثيرا مما كتب عنه في سنوات لاحقة، وشاهدت الكثير من رسوماته من الاعمال المنشورة وتفاصيل غير منشورة، نُشرت لاحقاً في عدة كتب.
كان ناجي العلي يمتلك إحساساً مرهفاً مفعم بالوطنية، منحازاً للفقراء، أو كما يقول انه متهم بالانحياز، وأنها تهمة لا ينفيها، وإنما يقول: فأنا منحاز لمن هم تحت. فذات يوم قال الراحل محمود درويش: ناجي العلي الذي علمنا أن نقرأ الجريدة من صفحتها الأخيرة. وبالفعل كان الناس يقلبون الجريدة ليطالعوا ماذا رسم ناجي ذاك اليوم. فقد تميز ناجي بانتقاداته اللاذعة عبر رسوماته في الصحف الذي عمل فيها بالكويت وبيروت ولندن عبر الشخصية التي ابتدعها عام 1969، وهي شخصية "حنظله"، وهو طفل فلسطيني أدار ظهره وعقد يديه خلف ظهره وأصبح شاهداً على الأحداث، فاصبحت هذه الشخصية هي توقيع ناجي العلي على رسوماته. أحبت الجماهير العربية، وخاصة الفلسطينيين هذه الشخصية، لإن حنظلة رمز للفلسطيني المعذب والقوي، رغم كل الصعاب، فهو شاهد على الأحداث وصادق ولا يخشى أحداً.
يقول ناجي العلي عن حنظلة: ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر ناجي نفسه فلسطين، وحين يعود حنظلة إلى فلسطين ،سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء.
أما عن سبب تكتيف يديه فيقول ناجي العلي: كتفته بعد حرب أكتوبر عام 1973 م، لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع. وعندما سُئل عن موعد رؤية وجه حنضلة قال: عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته. وأصبح حنظلة رمزاً للصمود والاعتراض على ما يحدث وبقي بعد ناجي العلي ليذكر الناس بناجي العلي.
مات ناجي، ولكن لم تمت القضية، فما زال حنظلة ذو العشرة أعوام لم يكبر بعد، وما زال يشيح بوجهه عنا، وعاقدا يديه خلف ظهره، وما زال شاهدا على الأحداث رغم مضي 35 عاماً على استشهاد صاحبه ناجي العلي.
نم قرير العين يا ناجي، كما تركتنا ها نحن هنا ما زلنا نقاوم، ونتأمل وننتظر ذالك الفجر، فجر الحرية والكرامة الذي لم يأتِ بعد، لكنه آتٍ لا محالة.