الرئيسية مقالات واراء
يتسارع التضخم في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو مما يهدد النظام المالي العالمي الذي أصبح قاب قوسين من الانهيار. فمنذ أزمة عام 2008 - أزمة الرهن العقاري -، وهي بالأساس أزمة في فائض الإنتاج على غرار أزمة الكساد الكبرى عام 1929. منذ ذلك الحين والعالم في تراجع مستمر. فمع فائض الإنتاج ينخفض الطلب والإنتاج، مما يؤدي إلى هبوط الأسعار وانكماش الاقتصاد وهذا ما حصل في الغرب. فأتت طباعة النقود غير المغطاة إلى ارتفاع الأسعار وجلبت معها وهم الاستقرار ووهم عدم وجود أزمة.
إن الحفاظ على هذا الوضع الاقتصادي المستقر لفترة طويلة في غاية الصعوبة. ففي الولايات المتحدة ومنطقة اليورو بلغ التضخم نحو ال9.1% ، وهو ضعف الرقم الذي وصل اليه عام 2008، وهذا المؤشر ينذر بإن مسار الاقتصاد العالمي في تدهور مستمر، وإن الأزمة العالمية التي نمر بها وعواقبها على الاقتصاد العالمي أسوء بكثير من الأزمة العالمية التي مرت عام 2008 .
تقف البنوك المركزية الآن أمام خيارين كلاهما أسوء من الآخر . فإما الاستمرار في سياسة التيسير الكمي، وطباعة النقود بلا غطاء لرفع الأسعار ومقاومة التضخم، وهذا ما تحاول الولايات المتحدة تفاديه الآن، لإن كمية الأموال التي تمت طباعتها منذ العام 2008 تجاوزت الـ 12 ترليون دولار، وهو رقم يصعب تخيله.
تفادي سياسة التيسير الكمي ستؤدي إلى زيادة مفرطة في التضخم وزيادة في الأسعار كل بضعة أشهر، وهذا ما بدأ بالفعل في الأونة الأخيرة من تسارع النمو في أسعار الغذاء والطاقة والعقارات والسلع الاستهلاكية بشكل ملحوظ. ولمقاومة التضخم، لو اسقطنا الخيار الأول، لا يوجد أمام البنوك إلا الخيار الآخر، وهو رفع أسعار الفائدة على القروض لاستقطاب الأموال من الخارج لسد العجز في الميزانية، وخفض الدعم المقدم للشركات، وهذا الخيار له تبعاته بدوره لإن الدول الأوروبية ليس لديها المال الكافي ربما. كما أن بنوكها المركزية ستعمل في ذات الاتجاه على رفع سعر الفائدة على القروض للحيلولة دون هروب رأس المال للخارج. وبالتالي سيقود هذا الأجراء إلى إفلاس الكثير من الشركات، وتشريد العديد من البشر ممن سيصبحون عاطلين عن العمل، عداك عن التداعيات الاجتماعية الأخرى المترتبة عليها. وبالتالي سينخفض الطلب على شراء البضائع وسينخفض المعروض من السلع، بسبب إفلاس الشركات وتسريح الموظفين.
كلا المساران سيدمران الاقتصاد العالمي. فمع ارتفاع التضخم في الدول الكبرى، ستتسارع معدلات التضخم في الدول الأخرى تباعاً نتيجة لارتباط تلك الدول باقتصادات الدول الكبرى، وهكذا ستنتقل حمى التضخم والانهيار من دولة إلى دولة كما حصل في عالم 2008 في أزمة الرهن العقاري، التي بدأت في الولايات المتحدة وانتقلت لتطال العالم أجمع.
إن ما ينتظرنا بتقديري في الشهور القادمة لهو أسوء بكثير مما هو عليه الحال الآن، وهو نتيجة حتمية لمسار الرأسمالية وسياساتها المتوحشة والأزمة البنيوية في النظام الرأسمالي، الذي يخدم حفنة صغيرة من البشر على حساب شعوب العالم أجمع.