الرئيسية مقالات واراء
الجواب ومن دون تردد: كلّا! إذن: لماذا البهجة بعودتها إلى المدرسة؟
معظم الدول العربية تعلِّم الفلسفة، ولم نلحظ تفكيرًا متميزًا في تلك المجتمعاتودول العالم التي يتعلم أبناؤها الفلسفة لا يتميز شبابها بالقدرة على التفكير الناقد، ولا كشف الإشاعات والمغالطات، حتى في أوروبا والولايات المتحدة يسهل خداع شعوبها وشبابها! إذن: ما الذي ستقدمه الفلسفة للمجتمع الأردني وشبابه؟قبل الإجابة علينا أن نميّز بين الروح الجمعية، وبين القدرة على التفكير الناقد.
فقد يمتلك شخصٌ ما قدرة ووعيًا فلسفيّا ونقديّا عاليًا وفي الوقتنفسه يسهل استهواؤه وجرُّهُ إلى حيث يريد المتلاعبون بالرأي العام، بل أهل الفلسفة نفسها يمكن أن ينصاعوا لصوتٍ مغالط، ويمشون معه! كما لا شكّ أنّ بين أهل الفلسفة من سلوكات وصراعات وتنافسات، ومناورات ما يوجد عند أهل الجغرافيا أو الدين، أو الهندسة وغيرها! فالكل يمكن أن يتعرض بسهولة إلى الخداع،بل إن أهل الطب والهندسة والكيمياء أقل مقاومة للإشاعات، وأقل قدرة على النقد، وأكثر انجرارًا وراء مغالطات، وحتى وراء فكر متطرّفمن سواهم من أهل الحقوق والأدب!
عودة لموضوعنا: هل ستعلم الفلسفة الوعي والتفكير؟
الجواب هذه المرة مشروط بِــ:
1- مجتمع حرّ منفتح، يسمح بالتفكير، ويؤمن بأن أي فكرة لا تولد من رحِم الحرية، وفي الهواء الطلق هي فكرة ضعيفة! هكذا تكلّم زرادشت!
2- ثقافة مدرسية تسمح بالنقد والتعبير الحرّ، والتساؤل والشك، وفحص المسلّمات، والمشاركة، وحرية الإبداع دون مخاوف من العقوبات والاتهامات!
3- بيئة مدرسية كاملة تعلم التفكير بدءًا من معلم الرياضة، ووصولًا إلى معلم الرياضيات، وقلت مرارًا: نحن نعلم الطلبة، ولا نعلم المواد الدراسية! نريد طالبًا باحثًا في الرياضة، وباحثًا في الجغرافيا، وباحثًا في الدين، وليس حافظًا لها! نريد عشرة"أوائل" في البحث، والنقد والتفكير، وكشف المغالطات، ولو بمعدّلات قليلةدون السبعين!نريد باحثين لا خاطفي علامات كاملة، أو شبه كاملة!
4- نريد أمنًا لمؤلفي كتب الفلسفةوحمايتهم من مختطفي المجتمع؛ ليتمكنوا من إثارة الأسئلة الواجب إثارتها، فالفلسفة وكوابح التفكير نقيضان، وليس مجرّد ضدّيْن.
5- نريد كتبًا حوارية، تثير الأسئلة، وتناقش المفاهيم، ولا تُسرَدُ كغيرها من الكتب معلوماتٍ وحقائقَ، وهنا يبدأ دور الوعي التربوي بالفلسفة، والوعي الفلسفي بالتربية! نريد كتبًا تربوية فلسفيةً، لا كتبَ فلاسفة!
6- وهنا الأكثر تأثيرًا: إعداد معلمي الفلسفة، أو المعلمين الذين سيدرّسون الفلسفة! ولم نسمع حتى الآن أنّ أحدًا ما –رسميًّا–تصدّى، أو تبرّع في هذا الاتجاه!
وهنا، أناشد مراكز الدراسات والتدريب، والاستشارات، والهيئات التربوية والجامعات التي يجب عليها العمل على إعداد معلمي الفلسفة ومعلماتها، وتدريبهم وانتقائهم وتهيئتهم.
نحتاج من 700 - 800 معلم ومعلمة، ليسوا موجودين في مدارسنا، بل علينا صناعتهم أو تدريبهم حدّا أدنى!
ووَفْق هذه الشروط، أقول بصوتٍ عالٍ: نعم، الفلسفة طريق لتعليم التفكير، وتحرير المجتمع من قيوده! فلنبدأ قبل الأمس، فالوقت مرّ كوميض البرق، وعلينا اللّحاق به قبل أن يخبو ويتلاشى!!