الرئيسية مقالات واراء
وقفت الدول الغربية في موقف معاد لروسيا منذ أمد بعيد، امتد لقرون، فمعاداة روسيا لم تبدأ مع تشكل الاتحاد السوفيتي، ولم تنتهي بانهياره. فلطالما كانت روسيا دولة مهمة، وذات خصائص مميزة اعتبرها الغرب قوية وغنية، إذ تمتلك كثيرا من الثروات المختلفة، من البترول والفحم والمعادن النفسية، بالإضافة إلى الزراعة وغيرها.
التاريخ شاهد على أن كل المعارك التي خاضتها الدول الغربية ضد روسيا تكللت بالفشل. كما يؤكد هنري كيسنجر أحد أهم منظري الرأسمالية الحديثة في القرن العشرين، بأن لروسيا الفضل في الحفاظ على التوازن والسلام العالمي خلال المائتي سنة الماضية، من خلال موقعها الجغرافي الممتد بين أوروبا وامتدادتها الآسيوية نحو الجنوب والشرق. فموقعها الجيوسياسي ذو أهمية خاصة بين الشرق والغرب.
بالنسبة لأوروبا ماذا تعني معاداة روسيا؟
لطالما كان الغرب عنصرياً ونازياً، وقد تعاظمت لديه فكرة تفرده في العالم، وأعطى لنفسه ولمشاريعه هالة من القداسة، وأوهم نفسه بأنه يمتلك الحقيقة ومتقدم على البشرية جمعاء، كما أعطى لنفسه الحق في فرض نماذج معينة، واتخاذ القرارات بشأن الدول الأخرى. فعلى هذه الخلفية جرى تقسيم العالم بين الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية في مطلع القرن العشرين. وعلى نفس الخلفية ورثت الولايات المتحدة نفس المنهجية العدوانية بعد الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة التي انقسم فيها العالم إلى قطبين، الولايات المتحدة وحليفها الأوروبي كقطب ممثل للرأسمالية، والاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية القطب الآخر ممثل الأشتراكية، والتي أطلق عليها رونالد ريجان محور الشر على أعتبار أن الولايات المتحدة والحليف الغربي هو محور الخير للأمم ومستقبلها الواعد. أما الآن فنحن أمام صراع رأسمالي – رأسمالي بين المنظومة الرأسمالية التي تغولت كثيراً وبين مجموعة من الدول الأخرى التي نمت وأصبحت مهيئة لتكون قطبية أو قطبيات متعددة ومنها روسيا الاتحادية كقوة عظمى وريثة للاتحاد السوفييتي وإرثه الهائل. كان لمعاداة روسيا في الآونة الأخيرة والعقوبات التي فرضها الغرب ضدها آثارها المدمرة على الاقتصاد الأوروبي. بعكس روسيا التي نما أقتصادها في الربعين الأول والثاني من السنة بحسب التقارير الغربية، فبعد أن علقت روسيا العمل مؤخراً بخط أنبوب السيل الشمالي -١ لضخ الغاز إلى أوروبا لاسباب فنية أنتفض الغرب وزادت أسعار الغاز بنسبة 30% إضافية، مما رفع أسعار الكهرباء وأصبحت جميع الصناعات في أوروبا تحت التهديد. ففي حال علقت روسيا ضخ الغاز لفترة طويلة، ستجد أوروبا نفسها في وضع في غاية الخطورة لاعتمادها كلياً على الغاز الروسي، وهي عاجزة تماماً عن حل مشاكلها بنفسها نتيجة لإرتهانها للإرادة الأمريكية والتي هي بدورها غير قادرة أيضاً على حل مشاكل أوروبا وإمدادها بالغاز بديلاً لروسيا. هناك بعض الدول في أوروبا مهددة باغلاق العديد من مصانعها مثل المانيا التي تعتمد بقوة على الغاز الروسي. ولهذا يرى بعض المحللين بإن الدول الغربية والولايات المتحدة وحلف الناتو قد لعبوا دوراً سياسياً قذراً لاشعال فتيل الصراع الروسي – الأوكراني لمنع التقارب بين المانيا وروسيا، خاصة بعد ما قام الروس بتشييد خط انابيب السيل الشمالي -2 بين روسيا وألمانيا، فالطالما كان الأمريكان ضد هذا التعاون. ويرى نفس المحللون بإن المانيا كانت ستربح الكثير من هذا التقارب بينها وبين روسيا أكثر بكثير مما ستربحه بالارتهان للإرادة الأمريكية. وكذلك الحال بالنسبة لباقي الدول الأوروبية. وكنتيجة نهائية روسيا تسير قدماً في مخططاتها فلا يمكن تغيير أو إبطاء عجلة التاريخ في صعود الأمم ونموها واستقرارها، فأوروبا والولايات المتحدة هما الخاسران في هذه المعادلة، والحياة مستمرة رغم الصعاب، وكمحصلة نهائية؛ القوي هو من سيفرض شروط اللعبة. فمهما حاول الغرب خلط الأوراق فإن الغلبة لروسيا وحلفائها لأنها تمتلك الكثير من المقومات والقوة والعزيمة لفرض بقائها وهيمنتها على الساحة الدولية