الرئيسية مقالات واراء
إذا صحّت رواية طرد معلّمة من مدرستها بسبب لباسِها أو مِكياجها-وأرجو أن لا تكون- فإن هذا يعيدُنا إلى مناقشة مبادىء أساسية حول الثقافة والاختلاف، وقبول الآخر، وفرض الوصاية، وتطبيق كل شخص ما يراه مناسبًا! نجح ذلك المذيع ومنع الضّيفة من الظهور على الشاشة، وسكتت الدولة مع أنه فرض لوجهة نظر! وضاع حقّ الضيفة! وهدّدنا بعضهم بثقافة نزع الأرواح، وسكتت الدولة مع أنهتهديد بالعنف، وماهو أكثر!"
مُنِعَ الزّعبي ذو الجمهور الواسع من المشاركة في ندوة، مع أن له قنواتٍ عديدةً لإيصال صوته، ولم يتدخل حكماء الدولة-إن وُجدوا-، ويُقال عن حوادثَ أخرى لمعلمات يحرِّضن طالبات أو مجتمعًا لوقف سلوكات معلّمة غير داعشيّة المَلابس، أو طالبانيّة المَلابس، وستسكت الدولة، فهي لا ترى خطرًا في ذلك!
تهتم الدولة بهندسة الأحزاب، وربما كان ذلك مقبولًا، لكنها لم تدرك الخطر الحقيقيّ الناتجَ عن فرض ثقافة مختطفي المجتمع الذين يُشهِرون سلاح التديّن، أو سلاح الذوق العام وفق رؤيتهم، وسلاح الدولة التي تخشاهم أو تؤيدهم!
إن مناقشة حادثة المعلمة تنطلقمن المبادىء الآتية:
1- في الأردن قانون؛ وبذلك يجب معاقبة كل من يخرج على هذا القانون!
2- والقانون يطبّقه مسؤولون عن ذلك:قُضاة، وسُلطة تنفيذية،ولا يجوز السماح لكل فَرْد بتطبيق قانونه الخاص فوق قانون الدولة، حتى لو كان يسعى للحصول على حق شخصي! وإلّا طبقنا: (إيدك وما تطول، أو كل مين إيده إله)!!
بموجب الدستور، فإن حرّيات عديدة أعطِيت للفرد منها حرية التعبير، وربما كانت الملابس جزءًا من هذه الحرّية! حتى لو قيل بما يناسب الذوق العام! لكن تطبيق الدستور ليس من حق فَرْد، حتى لو كان مدير مدرسة عظيمًا لا يُشَقُّ له غبار!
ومما سبق، فإن من البدَهيّ أن يتدخل أحد ذو سلطة رسمية، فانتهاك حقوق الإنسان من قِبل فَرْد، أو مدير، أو ثقافة أشدُّ خطرًامن سلوك سياسيّ معارِض تُرعِد الدولة، وتُزبِد ضدّه، مع أنه لم يخالف الدستور!
إن فرْضَ ثقافة معيّنة -بوضع اليد-من مذيع، أو مديرة، أو زعيم حزب
أمرٌ غيرُ مقبول؛ لأن له ارتداداتٍ ليس أكثرُها غيابَ القانون، بل سيادةُ حكمِ الغاب والعصاباتوثقافة: أنا المدير، وهيك بدي!والدولة تتفرج! ولسان حالها:
حايِد عن ظهري بسيطة!
صحيح أن حالة بنطلون "أبو ركبة مشقوقة / ممزوعة" سجّلت ضدّ مجهول معلوم، وحادثة"ملابس المعلّمة" ستسجّل ضدّ مجهول معلوم، لكنها قضايا كلها مصدرها واحد!!
وزارة التربية لها أولوياتها- وليس بينها تصحيح ثقافة تطبيق القانون -، وكذلك وزارة الثقافة. ولم يبقَ إلّا أن تشعر الدولة بأهمية تحرير المواطن من ثقافة الدواعِش التي عشّشت عندنا بعد أن هجرَها أصحابها!وإذا استمر نموّنا الثقافي بهذا الاتجاه، فإننا سنشاهد قريبًا مديرةتمنع الأكل بالملاعق، أو تدريس الفلسفة بمدرستها!!
ملاحظة:
تدخّل رئيس وزراء كندا لإعادة معلّمة مسلِمة طُرِدت بسبب ملابسها، فهل يتدخل كاتب في مديرية التربية لتصحيح وضع المعلّمة ذات المِكياج الذي أغضب مديرتها!
استنكرنا حادثة طرْد معلمة كندا، وابتهجنا بعودتها، ومع ذلك، صفّق بعضُنا للمديرة الأردنية التي غضِبت من مكياج معلّمتها، وطالبوا بعدم عودتِها!!
إنها ثقافة انحراف في ازدواج المعايير!!