الرئيسية مقالات واراء
محمد أبوعريضة
كنت أراهما يجلسان معًا، كل منهما يحمل بين أصابعه الرقيقة سيجارًا غليظًا، لا يتناسب مع رقة ملامحهما، وخفة دمهما.
أبو يوسف وأبو باسل، توأم لم يولدا معًا، لكل منهما رحم أخرى عاش فيها. لمحمد أب وأم، ولممدوح أب وأم أخريان. فلمَّ هما متلازمان حد العشق الصوفي؟
محمد كعوش "أبو يوسف" توفي العام الماضي، وها هو ممدوح حوامدة "أبو باسل" يلحق رفيقه مسرعًا قبل ساعات، فممدوح، بالتأكيد، لم يطق هذه الدنيا الجميلة بعيدًا عن رفيقه محمد "الأستاذ"، كما يفضل كُثًر تسميته، فيسرع إليه باشًا، فاردًا ذراعيه. لكنً؛ هل حملت معك يا ممدوح ما يكفي من السيجار لكما الاثنين هناك؟
علاقتي بـ"الأستاذ" محمد كعوش عميقة الجذور، تعود إلى سنوات طويلة، عملت وإياه في صحيفة "العرب اليوم"، وقبل ذلك من مقالاته التي كنت أقرأها في غير صحيفة أردنية وعربية، ولن أعيد كتابة ما قلته يوم مات "أبو يوسف"، فلقد أحببته حبًا لا يليق إلا بالقديسين، فهو ساندني غير مرة، وهو كان دائم الحضور حتى لو لم يكن جسده حاضرًا، كما هو اليوم.
علاقتي بممدوح حوامدة تعود أيضًا إلى سنوات طويلة، فقد كان اسمه دائم الحضور في الصحافة الأردنية، بخاصة في زوايا "الرأي" العريقة، لكني تعرفت إليه عن كثب خلال زياراته المتكررة إلى "العرب اليوم" خلال عمرها غير المديد، للالتحاق بتوأم روحه محمد كعوش. كنت دائمًا التقيه مع أبي يوسف، أو أنه خارجًا من مكتبه، أو قادمًا إليه.
لا يمكن أن تنسى ملامحه؛ وجهه قُدَّ من صخر، كأن أجدادنا الأنباط رسموه يومًا. تشعر وهو مقبل أن قامته القصيرة تُقبل إليك، وإن كان مُدبرًا. صوته الرخيم يشعرك أنه يأتي من بعيد، غير أنه يأتيك واثق الخطوة يمشي ملاكًا، وإن شابَّ الصوت سخرية ما، كأنه يقول لك: هذه الدنيا فانية، فاسخر منها.
علاقتي بمحمد كعوش قديمة عميقة، كنت أحبه حبًا صادقًا، وعلاقتي باسم ممدوح حوامدة قديمة، لكني لم أعرف صاحب الاسم عن قرب إلا من خلال توأمه محمد كعوش، لذا فلروحهما في وجداني مساحة وازنة.
ممدوح حوامدة "أبو باسل" لحق بتوأمه قبل ساعات، يحمل معه ما فات محمد كعوش من أخبار دنيانا البائسة، فاهنئا بآخرتكما، فالفانية لا يُؤسَف عليها.
لكما الرحمة أيها الرفيقان الجميلان.
لك الرحمة يا أيا باسل ولأسرتك ورفاقك جميل العزاء.