الرئيسية مقالات واراء
كيف ستقاوم روسيا التصعيد الغربي في الحرب الأوكرانية؟
مهدي حنا
يشهد العالم المزيد من التصعيدات في المعارك المستعرة بين روسيا والولايات المتحدة والغرب على خلفية الحرب في أوكرانيا. فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية سلسلة من الأحداث التصعيدية التي كانت تستهدف استفزاز روسيا من أجل نقل الحرب إلى مستويات أخرى لإطالة أمدها واستنزاف طاقات كلا الدولتين. فقد حرضت وكالات الأنباء الغربية عبر تصريحات المسؤليين الأمريكيين على كيفية التصدي للهجوم النووي الروسي، فيما لو استخدمت روسيا أسلحة تكتيكية نووية في أوكرانيا.
وسائل الاعلام الغربية اعتادت بث الأكاذيب والحقائق المضللة بغية التصعيد باستمرار ومن دون أي وجه حق. فلماذا ستستخدم روسيا الأسلحة النووية طالما هي قادرة على حسم المسائل باستخدام الأسلحة التقليدية، أو حتى الأسلحة الحديثة المتطورة التي تستخدمها حتى الآن. فلا زالت المعارك التي تدور في أوكرانيا محدودة من الناحية العسكرية. فلم تستخدم روسيا أي من التكتيكات العسكرية لاحتلال أوكرانيا وتدميرها بالكامل، فهي لم تضرب المرافق الحيوية والبنيات والمنشأت المدنية وتتحاشى منذ البداية قصف المدنيين، فاعتمدت في حربها على الضربات الصاروخية لتدمير المنشأت والبنية العسكرية فقط لحماية مصالحها، في حين يحاول النازيون الجدد من إلحاق الضرر بالمنشأت المدنية وإلصاق التهم في الروس لاستدرار العطف وشحذ مظاهر الكراهية والحقد تجاه العدو الروسي بدعم من الولايات المتحدة وحليفها الأوروبي الذي أصبح تابعاً ومسلوب الإرادة.
لقد صعدت الولايات المتحدة من وتيرة الحرب في العمليات الإرهابية التي أستهدفت تفجير خطوط البترول نورد ستريم 2 و نورد ستريم 1 ومن ثم تفجير جسر القرم. أما العملية الأولى فقد صرح عنها الرئيس الأمريكي بايدن في عدة مناسبات قبل عملية التفجير؛ وقال بالحرف: الولايات المتحدة لن تسمح في تشغيل خط الأنابيب نورد ستريم 2 الذي يربط بين روسيا وألمانيا مباشرة. وذلك بغية إجبار المانيا على شراء الغاز المسال الأمريكي كبديل للغاز الروسي.
أما بخصوص نورد ستريم 1، فلإجبار روسيا على الاستمرار في ضخ الغاز عبر أوكرانيا وبهذا ستستفيد أوكرانيا من رسوم العبور البالغة ثلاثة مليارات دولار سنوياً. أما العملية الأخرى كانت تفجير أحد مسارات الجسر في القرم، فهذه العملية هي استفزازية بحتة تسعى لتحريض روسيا على التورط أكثر في الحرب، ولكسر هيبتها أمام الشعب الروسي، كما أنها تسعى لنقل جزء من هذه الحرب إلى الأراضي الروسية، وبهذا فأنها ستزعزع شعور المواطن الروسي بالأمان، في إطار الحرب التكتيكية للتصعيد و لنقل الحرب إلى مستوى آخر. فعملية تفجير الجسر كانت عملية رمزية، فما تم تدميره هو حارتين من أصل خمس حارات في الجسر، أي أنه لم يتم تدمير الجسر بالكامل.
النتيجة؛ أرادت فالولايات المتحدة، منذ البداية، جر الإتحاد الروسي إلى حرب طويلة الأمد مع جارتها أوكرانيا، كما سعت إلى الزج باوروبا في أتون هذه المعركة في صراعها مع روسيا للحيلولة دون تشجيع التجارة الصينية بالانتقال إلى أوروبا عبر الأراضي الروسية، وبهذا فقد ضمنت عدم حياد أوروبا في حربها مع الصين أيضاً. فالولايات المتحدة تدرك جيداً بأن انتصارها في هذه الحرب طويلة الأمد مرهون في مقدرتها على تدمير روسيا والصين وهذا من ضرب من ضروب الخيال من الناحية العملية. فالرد الروسي حتمي على هذه الاستفزازات وذلك لعدم زعزعة الاستقرار الداخلي في روسيا، كما أنها قطعاً لن تتعامل بردات الفعل، وهذا ما يميز الرئيس بوتين، الذي يصعب التنبؤ بما سيقدم عليه. وعلى الأغلب الرد سيكون اقتصادياً فالشتاء في أوله والحرب ستطول وأوروبا تترنح والولايات المتحدة ستقاتل حتى أخر جندي أوكراني حسب تصريحات مسؤليها، وأزمة الطاقة مستمرة والتضخم في اقتصادات الدول الغربية والولايات المتحدة في تزايد. والنظام المالي العالمي على شفا الانهيار. أما روسيا فلديها القدرة على الصمود أكثر مما يتوقعه الغرب، وانتصارها بات وشيكاً، لأنها تمتلك كثيرًا من خيوط اللعبة، وكنتيجة نهائية فكما تحطمت آمال واشنطن على الشواطئ السورية، وباءت بالفشل مخططاتها في سوريا، فلن تنتصر في أوكرانيا أيضاً، وستلاقي نفس المصير. أتمنى أن لا أكون مخطئاً لكن هذا السيناريو الأقرب إلى الواقع على ما أعتقد، وستبدو الصورة أكثر وضوحاً في الأسابيع او ربما الأشهر القادمة.