الرئيسية صوتنا
أحداث اليوم - محمد أبوعريضة
علمت للتو بوفاة الصديق العزيز عبدالرزاق محمد حمد الحنيطي، وهو ما أحزنني كثيرًا، إذ أنني كنت أخطط لزيارته، فعلى الرغم من أن لقاءاتنا كانت قليلة، لكنها دافئة، فقد كان عبدالرزاق الحنيطي إنسانًا كبيرًا بأخلاقه وحبه للأردن ولفسطين، التي استشهد فيها ومن أجلها والده.
تعرفت إلى عبدالرزاق محمد حمد الحنيطي عام 2014، صحيح أنني كنت أعرفه قبل ذلك، والتقيته في عدد قليل من المناسبات، لكن لضرورات ملحة كان لا بد لي أزوره في منزله بـ"أبو علندا" خلال الأيام الأولى من شهر أيار عام 2014، فقد كنا في رابطة الكتاب ننفذ مشروعًا طموحًا، لم تقيّض له الفرص للاستمرار، ألا وهو "ذاكرة مدينة ... ذاكرة مثقف"، وكنا قد اخترنا ثلاثة مرافىء فلسطينية للبدء بها، هي يافا وحيفا وغزة، وبدأنا بيافا؛ فنظمنا مؤتمرًا جماهيريًا تحت اسم "يافا عالبال"، وفي نهاية شهر نيسان أوكلت لي ولعدد من الزملاء مهمة تنفيذ المؤتمر الثاني عن حيفا، واخترنا له عنوان "عائد إلى حيفا" تيمنًا واستذكارًا لرواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا"، وهو المؤتمر الذي نظمناه في اليومين 25 و 26 أيار، والاحتفالية الثالثة "غزة المقاوِمة ... غزة الصمود" بتاريخ 25 أيلول.
ما يهمنا هو احتفالية حيفا، فكما قلت؛ كان لا من زيارة ابن قائد حامية حيفا عام 1948 عبدالرزاق محمد حمد الحنيطي، فليس الممكن أن نحتفي بمرفأ يافا ولا نأتي على ذكر قائد حاميتها، الذي استشهد من أجلها وفيها. وهو ما كان؛ إذ إنني اتصلت به وزرته في منزله، واتفقت وإياه على أن يقدم هو شهادة حية عن والده في المؤتمر، وأن نجهز بوستر لوالده نعلقه في أكثر من مكان خلال أيام المؤتمر. بالفعل كان النشاط كبيرًا، استضفنا فيه أربعة شخصيات من حيفا، هم استاذ التاريخ د. جوني منصور، والأكاديمي ماجد الخضرا، والفنان التشكيلي عبد عابدي، وسادن اللغة العربية في حيفا فتحي فوراني.
وحامي قائد حامية حيفا والد المرحوم عبدالرزاق هو محمد حمد الحنيطي من مواليد "أبو علندا" جنوب شرق عمان، التحق بالجيش العربي بعد أن أكمل دراسته في مدرسة السلط، وكان عام 1948 ضابطًا في الجيش يقود سرية في التخوم الجنوبية الشرقية لمدينة حيفا، لكن لأسباب ليس هنا مكانها، استقال من الجيش والتحق بالثورة، فعينته اللجنة القومية مطلع شهر آذار عام 1948 قائدًا لحامية حيفا، بعد أن استشهد قادئها محمد نورهان التركي.
كانت حامية حيفا تعاني نقصًا حادًا من السلاح، الأمر الذي دفعه للتفكير بجلب الأسلحة من الجوار، فسافر يوم 11 نيسان عام 1948 إلى بيروت للتزود بالسلاح من الوطنيين اللبنانيين، وكان يرافقه في الرحله أربعة من الحراس. استقلوا سيارة خاصة. تمكن من الحصول على السلاح والذخائر والألغام وكميات من مدافع وقنابل الهاون والهوشكس، وعاد بها محملة على متن سيارة "كميون"، لكن الأهم أنه حاول أثناء سفره إلى لبنان ضم مقاتلين لبنانيين للقتال في فلسطين، فانضم إليه أربعة شبان لبنانيين من مدينة صور، وثلاثة آخرون من مكان آخر، وخمس سيارات.
قطعت القافلة الحدود اللبنانية، وكان قد انضم إليها اثنا عشر مقاتلًا كانوا قد جاءوا من من حامية حيفا لاستقبال القافلة وحمايتها، فأصبح عدد أفرادها 24 شخصًا. صباح اليوم ذاته مرت القافلة من مدينة عكا ولم تتوقف فيها، صحيح أن بعض الناس، وعلى رأسهم مساعد الحنيطي "سرور برهم" نصح الحنيطي بالتوقف في عكا طلبًا للراحة، وتفحص الطريق إلى حيفا للتأكد من سلامتها، غير أنه لم يستمع للنصائح، فقد كان مستعجلًا للدفاع عن المدينة التي يحمل تجاهها المسؤولية بعد أن أصبح قائدًا لحاميتها. انضم للقافلة من عكا 7 مقاتلين جدد، فأصبح عدد أفرادها 31 شخصًا
عند مرور القافلة عند مفترق "قريات موتسكن" شمال حيفا، اعترضت القافلة سيارات تابعة للعصابات الصهيونية، ما اضطرهم للتوقف، فأصبحت القافلة ومن فيها من مقاتلين هدفًا سهلًا لكمين محكم التدبير، أمطر القافلة بالرصاص، ما أدى إلى استشهاد خمسة عشر مقاتلًا، بمن فيهم محمد الحنيطي وسرور برهم وفخري البرد وإصابة نمر الخطيب بجراح بالغة نقل على أثرها لدمشق للعلاج، ولم يعد من يومها إلى حيفا.
وفق الروايات الشفوية للذين نجوا من هذا الكمين، فقد انفجرت إحدى شاحنة الأسلحة بما فيها من ذخيرة، وأحدث انفجارها دويًا هائلًا، في حين أفلتت شاحنة ثانية وسيارة خصوصية أخرى وعادتا إلى عكا.
والمؤكد وفق روايات ذاتها فأن محمد حمد الحنيطي هو من قام بتفجير شاحنة الأسلحة التي جلبوها من بيروت، فقتل عددًا من الصهاينة، لكنه كان مصرًا، وفق الروايات، على منع وقوع شاحنة الأسلحة بيد العصابات الصهيونية.