الرئيسية صوتنا
أحداث اليوم - هكذا، انتهينا من استقبال جموع المعزين بابن شقيقتي، الرائد الطيار محمد عبد الله الخضير، الذي جاء ارتقائه في الآخرة مماثلا تماما لرقيه وسموه في الدنيا، بينما كنت اسأل نفسي خلال أيام العزاء: متى كبر محمد؟ ومتى صار طيارا؟ ومتى أصبح الطفل أبا لطفلٍ وطفلة؟ أو باختصار: متى عاش حتى يموت؟!
لعل أكثر ما يناسب هذا الرحيل الصادم والمبكر أن أهمس في أذن رفاقه الطيارين ما قاله (ويستن هيو أودن) في قصيدته "لحن جنائزي حزين" بعد فقد صديقه :
"أوقفوا الساعات كلها..
اقطعوا التيلفون
وعلى أعناق الحمام الأبيض اربطوا شارة الحداد..
اجعلوا الطائرات تحوّم فوق رؤوسنا وتنوح..
تُغبش على صفحة السماء رسالة تقول: لقد مات"!
قبل رحيله بأيام أدى مناسك العمرة عن روح جدته "لطيفة"، كان حفيدها الأغلى والأحلى، ولم ينسَ هذا الوفي أنه نشأ في بيتها، هل لي أن أقول إنني كنت أغار من حبها له؟ وها هو أول من يلحق بها، كنت أغار من هذا الطفل الذي ولد رجلا، وعاش رجلا، ومات بطلا !
سيظل رحيلك جرحا باديا على الملامح والثياب، سيظل وجعا عصيا على الترويض والغياب، سأظل أتذكرك لوصف طبع الخيانة الذي تنتهجه حياة الدونية والعذاب: ففي لحظة واحدة تنقلك من أعالي السماء إلى تحت التراب !