الرئيسية مقالات واراء
الطموح والمثابرة و الأحلام المشروعة هي كلمات بدأنا نتعلمها صغارا , كان والدي وأعمامي أو حتى أبو يعقوب الدكنجي يسألني في كل مرة يراني خصوصا عند إستلام الشهادات ، شو بدك تطلع لما تكبر كنت اجاويه دكتور و أخوي يجاوب مهندس و بنت جارتنا المطلقه كانت تجيب محامية!
كنا تنتمي لمجتمع بسيط ، والدي كان معلما بسيطا ، بيتنا كان أيضا بسيطا ، غرفتين نوم و برنده واسعة تطل على القصور ، لم أسمع إجابة واحدة غير تقليدية ، لم أسمع أحدا يريد أن يصبح تاجرا أو وزيرا أو سفيرا ، أبناء حارتنا كانوا يعتقدون أن دكتور أو مهندس هي أعلى الخيارات، بنات حارتنا طموحهن بالتعليم ، استر و بتربي ولادها ، لم يفكرن يوما بحقوق المرأة ولا بكلمة تكافئ الفرص ، بل كان كل همهن زوج سلوى و بيت لحالها و اذا في سيارة بدل غلبة السرفيس بكون خير و بركة .
الرجال في منطقتنا كانوا يعملون في الأعمال الحرة ، دق الحجر ، الطراشة، المواسير، بياعين دحدح ، اذكر أيامها أن أكبر وظيفة كانت بحارتنا هي مضيف بشركة عالية ، الملكية الاردنية حاليا ، و أذكر الزي الذي كان يرتديه وسيارته كانت اوبل سكونا في الوقت الذي ما كنا نملك فيه ثمن التكسي و كنا نستخدم السرفيس غالبا .
كان راتب والدي بحدود ال ٤٠ دينار ، وكان مسؤولا عن ٥ أولاد ، تدريس ، كل ولد يكلف ما بين زي مدرسي و رسوم اعتقد كانت دينار و ٧٥ قرش و قرطاسية و تجليد و صمغ مبلغا يفوق راتب شهر !! كان طموحه أن نصل للجامعه و بعدها طبعا لنتخرج و نساعده في إكمال تعليم الشباب ، بسبب هذا الضنك كنا لا تستطيع أن نحلم كثيرا ، الطموح كان له سقف مغطى بزينكوا و حمام خارجي يدعى آنذاك بيت الخارج، كانت أمي تجيد العمل على ماكينة سينجر محورين، كانت ترثي الحال و الملابس معا ، هات اقطبلك هالقميص و أرقعلك هالبنطلون ، لم نخجل يوما من رقعة فمعظم الجيران مثلنا مقطعين موصلين ، الا جارنا تبع عالية!
لم نعرف أكل المطاعم الا في المناسبات ، كان والدي يصطحبني او يصطحب أحد اخواني لوسط البلد لاستلام الراتب و كان يكافئني بربع دجاجة مشوية من مطعم الافغاني و نص وقية كنافة من حبيبة و هذا المشوار كان بمثابة السفر إلى مربيا لأولاد الذوات في هذه الأيام.
كبرنا و حين انهينا معركة التوجيهي لم أصبح دكتورا و لم تصبح بنت جارتنا محامية، و لم يترقى والدي ليصبح وزيرا او مدير تربية أو حتى مديرا للمدرسة ، الترقيات كانت محسوبه و محسومه .
حين تخرجت و رفضت أن اسلك طريق التوظيف الحكومي كما أراد ابي عرفت معنى كلمة طموح و عرفت أيضا أن الطموح ممكن أن يكون مشروعا او غير مشروعا ، تعرفت اكثر على مسؤولي البلد الطموحين و كانوا يطمحون أن يحافظوا على مراكزهم و أكثر قليلا ، و سارت بنا السنين حتى اصبحت ارى المناصب تصغر و أنا أكبر، اصبحت افضل أن اجلس على الأرض أو أي مقعد بسيط حتى لا يعجبني كرسي المكتب ، من يزورني بشركتي يعرف أين أجلس بعيدا عن الكرسي الدوار ، أصبحت أحزن على من يهرول خلف منصب ، ينتظر قرارا للتعيين و يرجف من قرار الإنهاء و التقاعد و الاستيداع.
شدني بعض الطامحين لمنصب رئيس وزراء هذه الأيام صغر عمرهم و صغر حجم الخبرة ، ربما تجرؤوا على المنصب ذاته ، و حزنت أيضا هذه المره على كرسي الرئيس الذي صغر كثيرا و أصبح طموح أي شخص .
جميل الطموح لكن الأجمل الرصانة و الزهد و التواضع و أهم شي يضل راسك حاملك ..
و ما زال منصب رئيس الوزراء شاغرا منذ سنين و ما زال الطموح مشروعا ...