الرئيسية مقالات واراء
أحداث اليوم - بين فترة وأخرى يثار الحديث عن تحالف أمريكي إيراني، أو علاقة صداقة "إسرائيلية" إيرانية لدرجة أصبح الأمر مستهلكا وممجوجا لتكرار ذات التكهنات والتأويلات التي تصب باتجاه واحد مفاده: أن أمريكا تحالفت مع إيران ضد العرب وخانتهم وانقلبت عليهم، متعللين بالتسلسل الزمني للأحداث ابتداء من التعاون بين أمريكا وإيران في ضرب أفغانستان والعراق وما حدث في سوريا وكيف أن أمريكا تركت إيران تدعم النظام السوري بأريحية تامة وكذلك في اليمن من خلال الحوثيين!.
كل هذا جعل مسألة الكتابة أو إبداء الرأي باتجاه آخر ربما صفاقة أو ضرب من حماقة، ومع ذلك سأكتب بمحض خوفي في هذا الاتجاه.
الصداقات تُبنى على توافق المصالح، ويُبنى التعاون أو التحالف المرحلي على تقاطع المصالح والتقائها في نقطة أو نقاط لتحقيق هدف أو أهداف ما. فيما التحالف الاستراتيجي يقوم على الشراكة الكاملة لحماية المصالح والأهداف الواحدة آنية وبعيدة المدى.
فلو سلمنا بأن ما بين أمريكا والعرب هي مجرد صداقات بنيت على توافق المصالح وأن أمريكا من الممكن أن تعيد حساباتها وفق لمصالحها وتقلب ظهر المجن للعرب فإنه من غير المنطقي أن تنقلب أمريكا على "إسرائيل" حليفها الاستراتيجي وقاعدتها في المنطقة وتقوم بتسليم المنطقة لإيران مما يجعل أمنها أي "إسرائيل" مهددا!.
وفق هذا المنظور نكون مخطئين حين نقول أن ما كان بين أمريكا وإيران تحالف استراتيجي والأصح هو تعاون أو تحالف مرحلي وآني والتقاء مصالح وليس أكثر من ذلك.
فلم يكن بإمكان الولايات المتحدة أن تخوض حربا في أفغانستان دون تعاون أو تحالف مرحلي مع إيران، ذات الشيء كان في الحرب على العراق فكان التعاون مرحلي أيضا.
جميعنا يعلم أن أمريكا حاولت الانقلاب على الثورة الإيرانية في البداية، ثم دعمت صدام حسين في الحرب ضد إيران لإضعاف الطرفين. "سنأتي على هذا لاحقا".ولآن سنضع سؤالا كمدخل لطريقة أخرى بالكتابة: هل لدى أمريكا خيارات أخرى وتنوع في توزيع استراتيجيتها؟.
عزيزي القارئ.. أنا أعتقد أن ما بين "إسرائيل" وإيران هو عداء وإن كنت ممن يجزمون بأن "إسرائيل" وإيران أصدقاء أو أحباب، يمكنك أن تقفز عن كل ما سيأتي. وأن كنت من غير الجازمين فتعال معي كي نتناول الموضوع من زاوية أخرى امتدادا للسؤال السابق عن تنوع الخيارات لدى أمريكا بعيدا عن المصطلحات الرنانة.
لو كنت أنت أمريكيا وتدير العالم.. كيف ستكون طريقة تفكيرك؟
جيد.. لو كنتُ أنا أمريكيا ونظرتُ إلى المسلمين الذين هم عندي العدو الأول، -على الأقل منذ سقوط الاتحاد السوفياتي- واكتشفت أن لدى هؤلاء المسلمين انقساما كبيرا: "شيعي، سني".. أليس الأصح أن أعمل على هذا الخلاف وأغذية وأنميه حتى يصبح إنشقاقا وأضخمه؟. أليس هذا بديهي؟. ثم أيهما أفضل لي؟ أن أزيل دولة إيران الشيعية وأضعف هذا الإنقسام، أم أنظر كيف يمكن أن أستفيد منه وأترك هذه الدولة تنمو وتتمكن؟!.
كأمريكي حتما سأذهب إلى الخيار الثاني. فكلما تمكنت إيران الشيعية سيزيد هذا من الانقسام السني الشيعي، فلو أن إيران استطاعت أن تزرع في كل بلد إسلامي بذرة شيعية تنمو وتؤسس لانقسام جديد، فذلك غاية المنى.. ستفعل هي ذلك بأموالها وربما بجنودها أيضا، والثمرة في النهاية مفيدة لي كأمريكي أدير العالم.
نعم أنا الأمريكي سلَّمت العراق لإيران، وسمحت لذراعهم في اليمن بالاستيلاء على السلطة وسمحت لهم بإدخال ميليشياتهم ثم جيشهم إلى سوريا.. دعنا نتوقف قليلا عند سوريا، فما جرى فيها يعد مثالا جيدا لتوضيح فكرة الاستفادة من تناقضات طبيعية موجودة.
امتدادا للربيع العربي حصلت ثورة في سوريا وكانت نقية طاهرة لأن الشعوب ليست عميلة لأحد طبعا. ثم انفلتت الأمور!!.
أنا كأمريكي ادير العالم بحثت عن بديل لبشار، ولم أجد البديل العلماني المناسب، فليستمر القتال.. ولتفتح الحدود لاستقبال شباب أهل السنة المقاتلين بتوجيه من قبل الدول التابعة لي.. جيد.. لقد وصل هؤلاء للزبداني ومحيط دمشق.. إذا فلتأتِ المليشيات الشيعية.. وسأغض النظر كأمريكي عن ذلك مرحليا.
لم يُجد ذلك نفعا.. ليدخل الجيش الإيراني إلى سوريا وليدخل حزب الله، ولتدخل تركيا وروسيا ففي ذلك خير عظيم.
كأمريكي سأضع موطيء أقدام لي وأحتل جزءا من الأراضي السورية، وأضع قاعدة هناك، أراقب الجميع وأستهدف من أريد بالوقت الذي أيرد.
إن شعرت بالملل عزيزي القارئ يمكنك التوقف هنا.. المهم أن لا تقفز. وإن كان ما زال لك جلد على القراءة أكمل معي.. ولكن من زاوية أخرى.
بعد انتهاء حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق تم رصد تطور تكنولوجي وتقدم في البنية التسليحية لدى البلدين المتحاربين مما يشكل خطرا على أمن "إسرائيل" ومما يجعل القضاء على القوتين مطلب لتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي يشرف عليها اليمين المتصهين في الولايات المتحدة بالشراكة مع "إسرائيل". ولما كان القضاء على إيران يعني انهاء الانقسام "السني الشيعي" فالأولى أن يكون البدء بالعراق..
وأود أن أنوه إلى نقطة أعتقد أنها مهمة في هذا السياق مفادها أن بعض السياسيين الأمريكيين قالوا في مذكراتهم أن إيران هي نقطة جوهرية خلافية بين الأمريكان و"الإسرائيليين": جهة ترى إيران عدوا يمكن تهذيبه وتحجيمه والاستفادة منه، وجهة ترى أنه لا يمكن التعايش مع هذا العدو ويجب المسارعة في إنهائه. بمعنى أن الجهتين يرونه عدوا.
بعد أن تحملت عزيزي معي عناء القراءة تعال الآن سنحاول سويا أن نصل لقواسم مشتركة.
كل المؤشرات تفيد بأن لا صداقة أو محبة أو تحالف استراتيجي بين الكيان وإنما حالة عداء. وكل المؤشرات تفيد أن استهداف إيران قادم لا محالة وبقوة ومرشح للتصاعد خلال الأعوام القادمة، والاستهدافات "الإسرائيلية"والمتكررة لإيران ليست عبثية، فمن شأن ذلك تشجيع لإيران على اتخاذ قرارات متسرعة قد تُدخلها في حرب مباشرة بقوات نظامية.
لقد تركوا أقدام إيران تغوص في رمال الاقتتال الطائفي المتحركة، والخلايا النائمة داخل إيران اقترب موعد صحيانها، والاتفاق الأمريكي مع طالبان والسماح لها باستعادة سيطرتها على أفغانستان، والدعم الإسرائيلي لأذربيجان.. الخ.. ليس عبثا.
قبل أن تقاطعني سأجيبك لماذا إذا دعمت إيران المقاومة في غزة. وهل ذهبت لمقتلها؟
ببساطة شديدة لأن هذا هو الطبيعي والبديهي والتلقائي لأي دولة لديها حساب مكاسب وخسائر.. فهي ليست حركة نضال ولا جماعة استشهادية ولا تفكر بمنطق حركة التحرر الوطني أو الإسلامي لذلك ستسارع إلى دعم من يشاغل عدوها وهو هنا "إسرائيل".
عزيزي.. أنا مسلم عربي وأنتمي لأمتى ولكن أحاول أن أكون موضوعيا في قراءة الأحداث في منطقتي الملتهبة. وسأتحملك كما تحملتني وسأصبر عليك كما صبرت علي إن لم تقتنع بعد. وسأحاول الكتابة مرة أخرى بطريقة أخرى ومن زوايا أخرى علّنا نتفق.. دمت بود.