الرئيسية مقالات واراء
مشكلةالبطالة في الأردن: أزمة وطنية تتطلب حلولًا جذرية
الدكتور محمد عوض الزبيدي
تُعد مشكلة البطالة من أبرز الأزمات الوطنية التي تواجه المجتمعات الحديثة، بما في ذلك مجتمعنا الأردني، فحين قرر رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان تعيين معالي خالد البكار وزيرًا للعمل، لم يكن هذا القرار مجرد اختيار عابر؛ فقد جاء بناءً على إدراك عميق لمكانة البكار كأحد المؤسسين البارزين لحزب "تقدّم"، الحزب الذي يمتلك رؤى وأوراق عمل تهدف إلى معالجة مشكلات الاقتصاد وعلى رأسها البطالة. فقد تزايدت معاناة الأردنيين من البطالة، خاصة بين فئة الشباب، حيث باتت كل أسرة تسعى جاهدة لتأمين فرصة عمل لأبنائها وبناتها خصوصا في ظل اوضاع اقتصادية صعبة يعاني منها الجميع. ولا يقتصر الأمر على الحاجة المادية فقط، بل يتجاوز ذلك ليشمل قضايا أعمق تتعلق بالاستقرار الاجتماعي وحماية الشباب من الانحرافات التي قد تجرّهم إلى مسالك سلبية، خاصة في ضوء انتشار آفات مثل المخدرات.
وفي سياق هذا الواقع المؤلم، تظهر في العدد الهائل من قضايا المخدرات المحولة لدى محكمة امن الدولة ، ما يشير بوضوح إلى أن الفقر والبطالة يلعبان دورًا رئيسيًا في انتشار الجريمة، ولعلّ هذا الرابط الواضح بين البطالة والجريمة يجعل من مسألة إيجاد حلول عملية للتوظيف قضية جوهرية لا يمكن التغاضي عنها.
وفي هذه الأجواء، برزت مطالبات إعلامية وشعبية بزيادة الحد الأدنى للأجور، وهذا حق مشروع للعاملين الذين يعانون من صعوبة تأمين احتياجاتهم الأساسية. والأولوية الآن تتطلب دراسة شاملة لسوق العمل بالتعاون بين وزارة العمل ودائرة الإحصاءات العامة لتحديد حجم البطالة بدقة، ومن الضروري معرفة عدد العاطلين عن العمل في كل منطقة وأسرهم، وما هي ثقافتهم ومؤهلاتهم الأكاديمية، لتتمكن الجهات المعنية من توجيه الجهود نحو تدريبهم وتأهيلهم كما طالب جلالة الملك عبد الله الثاني مرارًا وتكرارًا.
وهنا، يبرز سؤال أساسي: ماذا عن دور وزارة العمل في معالجة قضايا الشباب الذين تورطوا في الجرائم، خاصة تلك المرتبطة بالمخدرات؟ إن معالجة هؤلاء الشباب يجب أن تتعدى التصنيف الأمني لهم كمجرمين؛ بل يجب أن يكون هناك اهتمام من مؤسسات الدولة لإعادة تأهيلهم وإدماجهم في سوق العمل، فهم مواطنون يحتاجون إلى الرعاية وإعادة الدمج المجتمعي.
كما تواجه الوزارة التحديات تتعلق بالطبية القانونية لطبيعة عمل شركات توظيف العمال، حيث يثار الجدل حول مدى مسؤولية هذه الشركات تجاه العامل، ومكانتها كصاحب عمل. هذا الالتباس القانوني يتجلى بوضوح في حالات فصل العاملين، حيث تتنازع الحقوق بين الشركات التي توظفهم والمؤسسات التي يعملون بها ،للأسف، بسبب العقود المحددة التي تبرمها شركات التوظيف مع العاملين، يجد العاملون أنفسهم في مواقف غير آمنة تحرمهم من حقوقهم الأساسية.
جانب آخر يتطلب اهتمام وزارة العمل هو مسألة التوظيف المتكرر لنفس الشخص ، حيث نلاحظ انتشار ظاهرة الانتقال من وظيفة لأخرى أو العمل في وظائف مزدوجة، وهذا يزيد من تعقيد مسألة البطالة. فقد نجد موظفًا متقاعدًا من جهة حكومية يعود للعمل في مؤسسة حكومية أخرى، مما يؤدي إلى قلة فرص العمل للشباب المحتاجين ويزيد من معدلات البطالة بشكل غير مباشر. لهذا، تحتاج الوزارة إلى دراسة معمّقة لكيفية تنظيم هذه المسألة.
وفي حين يقتصر دور الوزارة في بعض الأحيان على إعطاء تصاريح العمل، يبقى الأمل في أن تتوسع الجهود لتشمل التعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية وصندوق المعونة الوطنية، بحيث يمكن توفير وظائف لأبناء الأسر المحتاجة، مع تقديم دعم مالي ومعنوي من خلال برامج حكومية تسهم في تشغيل الشباب وتأمين مستقبلهم.
ولعل أحد أبرز التحديات هو اشتراط التجربة الذي تضعه العديد من المؤسسات على عقود العاملين، حيث يتكرر هذا الشرط في العديد من العقود لمدة قد تصل إلى ثلاثة أشهر ، ومتكرر لنفس العامل ، دون ضمانات حقيقية للعاملين، ما يجعلهم عرضة للاستغلال. تحتاج الوزارة إلى وقفة جادة تجاه هذا الموضوع، إلى جانب مراجعة الأنظمة المتعلقة بعمال المنازل والعمال الزراعيين، لضمان حقوقهم وتوفير ظروف عمل ملائمة لهم.
في نهاية المطاف، يبقى السؤال الأهم: هل سيظل دور وزارة العمل محصورًا في اعطاء تصريح العمل وكتابة الضبوطات وتوجيه المخالفات لأصحاب العمل الذين يوظفون العمالة الأجنبية بدون تصريح؟ أم ستتخذ الوزارة خطوات فعّالة لفتح مجالات عمل جديدة وتحقيق توازن عادل بين حماية حقوق العمال وصيانة مصالح أصحاب العمل؟